لا يخفى أن الرياضة لم تكن يوماً من أولويات أيّ خطة إنمائية أو نهضوية في لبنان، وهو الأمر الذي انسحب على أزمة «كورونا» حيث شعر الرياضيون أنهم يقفون في أسفل اللائحة عند الحديث عن إعادة فتح القطاعات المختلفة بهدف العودة تدريجياً إلى الحياة الطبيعية.هو أمرٌ مستغرب فعلاً، وخصوصاً أنه إذا ما تم النظر إلى البلدان المتقدّمة التي ضربها الوباء بقوة، فيجد المرء أن مسألة استئناف النشاط الرياضي كانت في صلب الأولويات الحكومية، خصوصاً أن عودة المباريات حتى من دون عودة الجمهور، رفع من معنويات الشعوب ومنحها أملاً لالتقاط أنفاسها والتفكير بغدٍ أفضل.
لكن تحركات مختلفة حدثت في الأسبوع الماضي وتقاطعت مع إطلاق وزارة الشباب والرياضة خطة عمل من خلال سلسلة اجتماعات تهدف إلى إيجاد الحلول والاستماع إلى الآراء، وخصوصاً من جانب المشتكين والمتذمرين من إبقاء الملاعب على أنواعها مقفلة. وفي وقتٍ كان يُنتظر فيه من الاتحادات القدوم بطروحٍ عملية لإطلاق نشاطاتها من جديد، بدا لافتاً أن التحرك الأوضح في هذا السياق كان من خلال الأكاديميات الخاصة لكرة القدم التي مُنحت الضوء الأخضر للعودة، وهي التي ستذهب إلى اتّخاذ إجراءات غير عادية لإعادة إطلاق تدريباتها.
والإضاءة على الأكاديميات هنا تأتي من منطلق أهميتها الاجتماعية والرياضية، فهذا القطاع يوفّر فرص العمل لقسمٍ كبيرٍ من الشبان والمدربين المخضرمين. كما أنه يساهم بشكلٍ واضح بعملية النمو في الملاعب الخضراء، ولو أنه لا يمكن إسقاط إشكالية اتجاه بعض الأكاديميات إلى النواحي التجارية أكثر من الرياضية. لكن رغم ذلك فإن توقف تدريباتها يؤثر سلباً على تطوّر اللاعبين الذين يمكن البناء عليهم للمستقبل، وهم يحتاجون إلى رعاية فنية يومية، وتحديداً أولئك الذين يعيشون في سنّ النضوج والاكتساب.
وأيّاً يكن، فإنّه لم يكن بإمكان الأكاديميات المخاطرة أصلاً بفتح أبوابها في ظلّ قرار التعبئة العامة، ولو أن معلومات «الأخبار» تفيد بأنّ إحدى الأكاديميات في لبنان، عملت على تنظيم حصصٍ تدريبية، وهي خطوة أثارت امتعاض أكاديميات أخرى، لكنها بالتأكيد لم تقنع كل الأهالي بإرسال أولادهم إلى الملعب خوفاً على صحتهم، علماً أن بعضهم عمد إلى دفع الأموال للمدرّبين من أجل إجراء حصصٍ خاصة وفردية لأولادهم في ملاعب مستأجرة أو في حدائق خاصة بمنازل الميسورين منهم.

بروتوكول واضح
وفي خضم هذه الأجواء، أطلت غالبية الأكاديميات المعروفة والمتقدّمة لتلعب دوراً فعالاً في إقناع القنوات المسؤولة بالسماح بالعودة إلى العمل، وكان لزيارة بعض رؤساء الأكاديميات وزارة الشباب والرياضة أثر مهم في الدفع نحو عودة النشاط، خصوصاً بعد التقدّم إلى الوزارة باستعراضٍ شاملٍ لكيفية سير العمل في المرحلة المقبلة، وذلك تفادياً لأيّ مشاكل ترتبط بـ«كورونا».
«الأخبار» حصلت على نسخة من الاستراتيجية التي ستُتبع، وقد بدت لافتة لناحية استخدام وسائل اعتُمدت في البلدان التي تمكّنت من إعادة الروح إلى ملاعبها ولو جزئياً، وهي في حال طُبّقت قد تفتح المجال بنجاحها أمام تحريك الدورة الكروية برمّتها، وهو أمر بات ضرورياً بحسب كثيرين في ظلّ الخطر الذي يحوم حول المستوى الفني العام بعد توقف كلّ تمارين الأندية والمنتخبات.
استراتيجية خاصة ستتبعها الأكاديميات الخاصة لاستئناف عملها من خلال بروتوكول لحماية اللاعبين


وتحت عنوان «Distant Training» ستعود الأكاديميات إلى العمل وفق نقاطٍ أساسية، أولها تقسيم الفرق إلى مجموعات لا يتجاوز عدد اللاعبين في كلٍّ منها العشرة، بعد الأخذ في الاعتبار المسافة الآمنة خلال الحصص التدريبية التي سيُمنع الأهل من حضورها على غير عادة، وحيث سيمنع استعمال الغرف المشتركة ما عدا الحمامات، إضافة إلى منع الاستخدام المشترك لأي تجهيزات تلمس الرأس أو الوجه.
وقبل إطلاق التمارين، يُنتظر أن تتأكد كل أكاديمية من أنّ كل لاعب أو مدرب لم يعرف أي أعراض أو معاناة من الإنفلونزا ومشتقاتها خلال 14 يوماً سبقت تاريخ التدريب، ولم يحتك بأيّ مصاب أو مشتبه بإصابته بـ«كورونا»، ولا يعاني من أي مشاكل في التنفس.
وستترافق هذه الخطوات طبعاً مع تعقيم شامل للتجهيزات المستخدمة ولمكان ومحيط الحصة التدريبية، حيث سيكون العمل على الالتزام بتوقيت بدايتها ومن ثم نهايتها تفادياً لأيّ اكتظاظ في الملعب. كما سيكون الحرص على تعقيم التجهيزات بعد التمارين أيضاً، وعلى التزام اللاعبين والمدربين بالإجراءات الوقائية وعلى رأسها غسل اليدين قبل وخلال وبعد التدريبات، علماً أنه لن يسمح لأكثر من شخصٍ واحد بدخول دورات المياه، على أن يتمّ العمل على إفراغ مستوعبات النفايات الموجودة في أنحاء الملعب أو المجمّع بشكلٍ دوري.
كما لن يُسمح لأيّ لاعب تناول المياه من «قنينة» لا تحمل اسمه، وعليه أن يلتزم بالمسافة الآمنة عند العمل مع المدرب بشكلٍ مباشر، على أن يُمنع المدربون من مصافحة لاعبيهم قبل الحصة التدريبية وبعدها، وطبعاً أن تفصل مدة 15 دقيقة على الأقل بين الحصة والأخرى لاتخاذ إجراءات التعقيم الضرورية. وتجدر الإشارة إلى أن الفرق التي تضم لاعبين يتجاوز عمرهم الـ 13 سنة لن يُسمح لها بتدريب كل مجموعة مؤلفة من 10 لاعبين في مساحة تقل عن 45 متراً، وبإشراف مدربٍ واحد فقط. أضف إلى ذلك السماح للاعبين بالوصول إلى مكان التدريب ضمن مدة لا تتجاوز السبع دقائق، مع اشتراط ارتداء أهاليهم الكمامات في حال أرادوا انتظارهم في محيط الملعب مع الحرص على المسافة الآمنة بينهم، وعدم السماح لأيٍّ منهم باستخدام مرافق الملعب من حمامات وغيرها.
إذاً هو بروتوكول واضح ولن يصعب تطبيقه، وهي مسألة حتمية لهذه الأكاديميات لكي تحمي نفسها من أي مشكلة قد تقضي عليها، ففي نهاية المطاف ستكون «نظافة» عملها مسألة حاسمة في استمراريتها وحماية سمعتها، ولتؤكد أنها تلعب دوراً إيجابياً في الكرة اللبنانية، علّها تضع هذه المرّة حجر الأساس لإعادتها بعد الركود الكبير الذي أصابها وهدّد وجودها.