لا شك في أن كرة القدم الفلسطينية تتطوّرت بشكلٍ كبير في الأعوام القريبة الماضية، والدليل نتائج المنتخب الأول على الصعيد الخارجي، وهو أمر ألقى مسؤوليةً على جميع المرتبطين باللعبة إن كان في الداخل الفلسطيني أو في «الشتات».هنا في لبنان ينتشر لاعبو كرة القدم الفلسطينيون في المخيمات والمناطق كافةً، وهم أصلاً لعبوا أدواراً مهمة في الفرق اللبنانية بمختلف الدرجات حتى لَحَظت أنظمة البطولات وجودهم، واعتمدت عليهم الفرق وحاولت استقطاب الشبان والمخضرمين منهم على حدٍّ سواء.
كمّ المواهب الفلسطينية في البلاد يلتقي مع عملٍ دؤوب ضمن إطارٍ منظّم خلقه الاتحاد الفلسطيني للشتات في لبنان، وهو اتحاد له امتداد إلى كل دول العالم التي يوجد فيها لاعبون فلسطينيون بحسب ما يقول رئيسه زياد بقاعي، وهو عضو مكتب تنفيذي في الاتحاد الفلسطيني المركزي وأحد النواب الثلاثة لرئيس الاتحاد ومركزه في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (هناك نائب في غزة وآخر في رام الله إلى جانب النائب عن الشتات).
واتحاد الشتات هو اتحاد قديم، لكن تمّ تفعيله بشكلٍ كبير في عام 2012 مع تنظيم نشاطات لافتة جذبت انتباه واهتمام من هم في الأراضي الفلسطينية والاتحاد المركزي على حدٍّ سواء. ويشرح بقاعي في حديثٍ إلى «الأخبار» هذه النقطة بالقول: «تنظيم الأمور اتحادياً في الداخل انعكس هيكلية ممتازة ساعدتنا في ترتيب أمورنا هنا وإطلاق دوري منظّم ومسابقة خاصة بالكأس أيضاً».
وانطلاقاً من هذا الكلام يبدو النشاط لافتاً مع وجود 30 فريقاً موزّعاً على المخيمات في لبنان، بينها 12 فريقاً تمّ تصنيفها كفرقٍ للدرجة الأولى، علماً أنه كان من المفترض أن يضم اتحاد الشتات 45 نادياً، لكن الاتحاد المركزي طلب تخفيض العدد للإبقاء على مستوى جيّد للمسابقتين اللتين تقام مبارياتهما عادةً على ملاعب معروفة مثل العهد وصيدا وقصقص، إضافةً إلى ملاعب أخرى في البداوي والرشيدية ونهر البارد».
لكن نشاط هذه الأندية ومشاركتها دونهما صعوبات، يشرحهما بقاعي قائلاً: «نتلقى مساعدات من الاتحاد المركزي الذي وعدنا بأنه سيتم التعامل مع أنديتنا على صورة كل تلك الأندية الموجودة في غزة ورام الله». ويضيف: «لا يخفى أن الصعوبات تتمحور حول الوضع الاقتصادي للشباب الذي يعيش في المخيمات، إذ أن عملنا يرتكز على التنظيم، وتبقى حاجتنا إلى الدعم المالي الذي نعتمد فيه على الاتحاد المركزي الذي قدّم غالباً مساعدة لا بأس بها، بينما تحصل أندية عدة على مساعدات من مكتب الحركة للشباب والرياضة من خلال تقديمه لكل نادٍ منضوٍ له مبلغاً شهرياً».
المنتخب الفلسطيني للاعبين الناشطين في لبنان يخلق حالة وطنية عبر جمع الكلّ تحت رايته


لكن الأهم تبقى مسألة مدى الإفادة الفنيّة التي يمكنها أن تنعكس إيجاباً على الكرة الفلسطينية العامة من خلال تحوّل كل هذا النشاط إلى رافدٍ لتعزيز صفوف المنتخبات الفلسطينية. وهذا الأمر يضطلع به المدير الفني في اتحاد الشتات الذي يعمل على اختيار لاعبين لمنتخب الفرع إيذاناً بإبلاغ الاتحاد في الأراضي المحتلة حول وجود مواهب تستحق إعطاء فرصة في المنتخب الأول. ويُستكمل العمل من خلال قدوم مدير فني لمتابعة اللاعبين المرشحين عن كثب بعد أن يكون قد حصل على فيديوهات عنهم من قبل اتحاد الشتات في لبنان.
ويؤكد بقاعي أن الآلية المذكورة ناجحة جداً، وقد أفرزت مثلاً وصول مجموعة من اللاعبين المميزين إلى منتخب كرة القدم للصالات الذي اختار 6 من أصل 11 لاعباً في تشكيلته من لاعبي الفوتسال الناشطين في لبنان.
ويبقى أبرز من خرج إلى المنتخب الفلسطيني في العصر الحديث للعبة كان مهاجم التضامن صور إبراهيم مناصري، في وقتٍ كانت هناك أسماء مطروحة للالتحاق بـ«الفدائي»، لكن صعوبات الدخول إلى الأراضي المحتلة تعرقل أحياناً هذه المساعي.
إذاً دور اتحاد الشتات في لبنان لا يرتكز فقط على اكتشاف المواهب أو خلق الأرضية لها لاكتساب خبرة المنافسة، وخصوصاً أن اللاعبين الذين يلعبون مع الفرق في الدوري الفلسطيني المحلي لا ينشطون مع أندية لبنانية، فالحالات نادرة جداً في هذا الإطار لأن اللاعبين المميزين يرتبطون أصلاً بعقود أو باتفاقات مع الفرق اللبنانية بشكلٍ لا يسمح لهم بممارسة أي نشاط كروي آخر.
ويعقّب بقاعي على هذه النقطة شارحاً: «بدأنا التركيز أيضاً على تطوير الكرة النسائية والفوتسال، من دون أن ننسى المنتخب الفلسطيني للاعبين الناشطين في لبنان والذي يخلق حالة وطنية عبر جمع الكل تحت رايته، إضافةً إلى أنه قد يشكّل نواة للمنتخب الفلسطيني الأول مستقبلاً».
ويتابع: «اللاعب الفلسطيني في لبنان لا يقل شأناً عن ذاك الذي يتم استقدامه من أوروبا أو من أميركا الجنوبية، فاللاعبون هنا يحتاجون إلى الاحتكاك ومنحهم الثقة للتميّز، وهو ما سمح مثلاً للاعب الأنصار الصاعد محمد حبوس بالتألق كونه تدرّب بشكل صحيح وحصل على الفرصة واستغلّها على أحسن وجه حتى الآن».
ويختم رئيس الاتحاد: «المستوى تطوّر بشكل عام وهناك ربط بين الشتات والداخل للسير على الطريق نفسه وهو ما يعكسه اهتمام الداخل بما نقوم به هنا، وسنظل نواظب على هذا الأمر لأن قضيتنا الرياضية سامية، وفيها متنفّس لشبابنا وخير لبلادنا الأمّ».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا