كلّ الفرص متاحة للبنان من أجل تحقيق إنجازٍ يخفف من معاناة اللبنانيين ويجعلهم يأملون بأنه لا يزال هناك بصيص أمل بنجاح هذه البلاد بالخروج من الكبوات المتتالية واليومية.هي ربما أسوأ فترة للتفكير بإمكانية تحقيق شيءٍ كبير على ساحة كرة القدم الآسيوية، لكن وكما صعّبت الظروف المختلفة الأمور على لبنان، قدّمت ظروف أخرى خدمة للمنتخب الوطني، وتحديداً من خلال انسحاب كوريا الشمالية من التصفيات على خلفية إجراءات رسمية خاصة بها لتفادي تفشي وباء «كورونا»، حيث كانت قد أعلنت انسحابها أيضاً من دورة الألعاب الأولمبية المؤجلة إلى الصيف الحالي، والتي ستستضيفها العاصمة اليابانية طوكيو.
الأجواء المحيطة بالمنتخب بدت إيجابية (طلال سلمان)

انسحاب أبناء الشمال الكوريين، وضع لبنان على المسافة نفسها مع نظرائهم الجنوبيين (7 نقاط لكلٍّ من المنتخبين)، الذين يتفوّقون على المنتخب اللبناني بفارق الأهداف فقط، ما يعني أن الفرصة لخطف بطاقة مؤهلة مباشرةً إلى كأس آسيا، التي ستقام في الصين عام 2023 تبدو متاحة، ولِمَ لا بلوغ الدور الحاسم من التصفيات المؤهلة إلى مونديال قطر 2022، وهي المهمة الأصعب، والتي تبدو الهدف الأول لمنتخب كوريا الجنوبية المعروف بمستواه العالي ولاعبيه العالميين.
الأجواء المحيطة بالمنتخب قبل سفره إلى كوريا الجنوبية، المضيفة لبقية مباريات التصفيات، بدت إيجابية لا بل شبه مثالية، وهو أمر كان بالإمكان لمسه من خلال اللاعبين الذين بدوا مرتاحين. والأهم أن نجوم الدوري المحلي وأولئك القادمين من الخارج يبدون سعداء جداً بالوصول إلى تمثيل الوطن، في موازاة إصرارهم لتحقيق المطلوب، وثقتهم بإمكانية الارتقاء إلى مستوى التحدي المنتظر، فالتعادل السلبي مع كوريا الجنوبية في بيروت في عام 2019 بدّل من ذهنية لاعبينا وجعلهم يعرفون قيمتهم الفنية جيداً، وهم الذين ينشط معظمهم في الخارج ويقدّمون مستوى مميّزاً في البطولات المختلفة.
التعادل السلبي مع كوريا الجنوبية في بيروت بدّل من ذهنية اللاعبين اللبنانيين وجعلهم يعرفون قيمتهم الفنية جيداً


راحة لاعبي لبنان من خلال الأخبار الواردة عنهم من كوريا يمكن أن تبدّد قلق الجهاز الفني الذي لم يتمكن من تنفيذ برنامجه الإعدادي الكامل، لكنه اليوم أمام مهمة محددة، وهي التعامل مع كل مباراة على حدة، فمستويات المنتخبات الثلاثة مختلفة تماماً.
وفي موازاة القلق الوحيد من أن الأفضلية كورية لا محالة بحكم خوض الكوريين للمباريات على أرضهم، فإن الأمر الجيّد هو أن لبنان سيلعب أوّلاً مع المنتخب الأقل مستوى في المجموعة أي سريلانكا، ومن ثم مع صاحب الأداء المتوسط أي منتخب تركمانستان في التاسع من الشهر الجاري (سبق أن تغلّب عليهما في التصفيات)، قبل أن يلتقي «الشمشون الكوري» في مباراة قد تكون فاصلة وحاسمة بينهما إذا ما نجح «رجال الأرز» في خطف النقاط الكاملة في أوّل مباراتين، وذلك في الثالث عشر من الشهر الجاري.
النقطة المقلقة الأخرى هنا، والتي يجب أن تؤخذ كأولوية في الاعتبار، هي أن لاعبي منتخب لبنان ليسوا جاهزين بدنياً بكل وضوح لخوض هذا الكمّ من المباريات في فترة أسبوع تقريباً، ما يعني أن توزيع المجهود على اللاعبين المتاحين للعب سيكون مسألة مفصلية لكي لا يصل لبنان إلى المباراة الأخيرة منهكاً، وبالتالي يدفع الثمن أمام منتخبٍ يتمتع لاعبوه بأعلى درجات الجهوزية بحكم خوض غالبيتهم البطولات الأوروبية، والذي لا شك في أنه سيظهر بصورةٍ مختلفة عن تلك التي ظهر عليها خلال المواجهة الأولى في العاصمة اللبنانية.

تدريبات منتخب لبنان في كوريا الجنوبية (موقع الإتحاد اللبناني لكرة القدم)

لذا تبدو الحماسة والروح لاعباً أساسياً لا غنى عنه، وهي مسألة يمكن الشعور بها بشكلٍ واضح أكثر من أي وقتٍ مضى وكأنّ لاعبي «منتخب الأرز» يبحثون عن «فشة خلق»، بعد معاناة بعضهم على الصعيد الفردي وخسارة بعضهم الآخر تحدّياً خارجياً مع ناديه، واشتياق مجموعةٍ أخرى لارتداء قميص الوطن مجدداً، وسعي عناصر معيّنين لرفع قيمتهم السوقية قبل الدخول في "بازار" الانتقالات محلياً وخارجياً.
المهمة تبدأ اليوم والنقاط الثلاث متاحة أمام منتخبٍ ضعيف سبق أن استعرض لبنان قدراته الهجومية في مرماه، حيث ستكون الفرصة متاحة لتسجيل أكبر عددٍ من الأهداف وتحسين الأرقام التي ستكون حساباتها مفصلية في عملية التأهّل النهائية.


طه واثق ومتفائل
في المؤتمر الصحافي الرسمي قبل المباراة التي نُظّم عن بُعد، تطرق المدير الفني لمنتخب لبنان جمال طه إلى حسنات خوض التصفيات ضمن نظام التجمّع، وسيئاته، مؤكداً أن «منتخبنا جيد وجاهز للاستحقاق ونتطلّع لحصد النقاط التي تخوّلنا بلوغ الدور الثالث من تصفيات المونديال والتأهل مباشرة لنهائيات كأس آسيا»، لافتاً إلى أن «غياب قائد المنتخب حسن معتوق بداعي الإصابة مؤثر من دون شك، لكنّ زملاءه على قدر المسؤولية ليصنعوا فارقاً ويحققوا الأمنية المشتركة».
وأوضح طه أنه تسلّم مقدرات المنتخب في حزيران الماضي، «لكنني عملت قبلها مساعداً للمدير الفني السابق الروماني ليفيو تشيبوتاريو، وأعرف نقاط القوة والضعف والتفاصيل كلها منذ أن انطلقت هذه التصفيات. وقد أثّرت جائحة كورونا وفترات التوقّف على تنفيذ البرنامج الموضوع»، وأضاف: «على رغم ذلك عملنا في ظروف قاسية لتجاوز هذا المطبّ الاستثنائي، واعتمدنا آلية تمكّن اللاعبين من الاعتناء بلياقتهم».
وجدّد طه تأكيده أن لا مباريات سهلة، كما أن المنتخب السريلانكي «شهد تغيّرات عدة منذ فوزنا عليه على أرضه. المهم أن نترجم تصميمنا ميدانياً بحصد النقاط الثلاث، وهذا هو المهم».
ورداً على سؤال عن شعور اللاعبين بالضغط، كونهم مطالبين بالفوز واستثمار ورقة انسحاب كوريا الشمالية بعدما تحسّن ترتيب منتخب لبنان، أجاب طه: «تحصر بعض التحليلات قوة المجموعة بكوريا الجنوبية صاحبة الأرض ومنتخبنا. وربما هذا منطقي قياساً إلى النتائج المسجّلة واعتبار كوريا باتت معتادة على بلوغ نهائيات المونديال وأحد أقوى المنتخبات الآسيوية وتضم لاعبين بارزين في أقوى الدوريات الأوروبية، لكنّ العامل المؤثر يبقى وليد ساعته، أي مجريات المباراة ولا شيء غيرها. في صفوف منتخبنا عناصر عاشوا استحقاقات سابقة وهم يمتلكون الخبرة ويعرفون معنى ما أقوله، وآخرون يعيشون هذه التجربة للمرة الأولى وتطلعاتهم كبيرة. في الخلاصة، الجميع متحمّسون لأداء المطلوب منهم والمساهمة في تحقيق نقلة مميزة إيجابية. وقد طلبت منهم التركيز الميداني فقط واللعب بأريحية ما يبرز مهاراتهم ويحقق أحلامهم».
من جانبه اعتبر قائد المنتخب نور منصور أن اللاعبين بذلوا الكثير وثابروا على التحضير في الظروف الصعبة بهدف التأهّل. وأضاف: «سنتعامل مع كل مباراة على حدة، ونعتمد سياسة الخطوة خطوة لنعبّر عن جدارة واستحقاق».