رغم تتويجه بالنسختين السابقتين من بطولة كوبا أميركا، سقط منتخب تشيلي من ترشيحات النقاد لنيل اللقب هذا العام، قبل انطلاق البطولة القاريّة الأقدم للمنتخبات. أعاد النقاد والمتابعون تقليص حظوظ تشيلي في الحفاظ على اللقب الأغلى، وذلك بسبب تراجع أداء أبرز عناصر المنتخب مع الأندية التي يمثّلونها، على غرار مهاجم مانشستر يونايتد أليكسيس سانشيز، ومتوسط ميدان برشلونة أرتورو فيدال، إضافةً إلى معدل الأعمار المرتفع للمنتخب، مقارنةً مع بقية المنتخبات المشاركة، وما يحمله هذا المعدل من تداعيات على اللياقة البدنية للاعبين.بنظرة سريعة على تشكيلة منتخب تشيلي، يتبيّن أنّ أغلب الأسماء الحالية لا تزال صامدة منذ سنوات، كعناصر أساسيّة في التشكيلة، وهو ما سينعكس سلباً على المنتخب عاجلاً أم آجلاً في ظلّ عدم استغلال المواهب الشابة. أسماءٌ كأرتورو فيدال، أليكسيس سانشيز، غونزالو يارا، غاري ميديل، ماوريسيو إيسلا، إدواردو فارغاس، تشارلز أرانغيز وغيرهم، دخلوا العقد الثالث من العمر، وهو الأمر الذي سيُضعف من مردودهم الكروي بطبيعة الحال، كما سيحدّ من إمكانياتهم البدنية خلال المباريات.
الاعتماد على تشكيلةٍ شبه خالية من الشباب، أمر انعكس سلباً على المنتخب في التحضيرات للاستحقاق الدولي الأهم، ففشلت تشيلي في التأهل إلى نهائيات كأس عالم 2018، دون بلوغ الملحق حتّى. الخيبة الكبيرة لم تؤثّر بشكل كبير على معنويات المحاربين، فاستعادت تشيلي شيئاً من هويتها في البطولة الحالية، وقدّمت أداء مميّزاً يعتمد على العزيمة والإصرار، وهو بالتأكيد يليق ببطل النسختين السابقتين، لتصبح كوبا أميركا ماركة مسجلة باسم المنتخب التشيلي.
لم يكن منتخب تشيلي مرشّحاً للذهاب بعيداً منذ البداية


مع بداية البطولة الحالية، كسرت تشيلي كلّ الشكوك حول جاهزيّتها وقدرتها على الذهاب بعيداً، بعد أن قدمت منظومة متجانسة تليق بتاريخها الكروي الحديث. فوزٌ عريضٌ بدأت به مشوارها، جاء أمام منتخب اليابان، ضيف البطولة، برباعيةٍ نظيفة. الأداء العالي لرجال المدرب رينالدو رويدا انخفض تدريجياً مع المباراة الثانية من دور المجموعات، إذ تمكّنت تشيلي من تجاوز عقبة منتخب الإكوادور، منقوص العدد، بنتيجة (2-1)، بتوقيع كلّ من خوسيه فونزاليدا وأليكسيس سانشيز. فوزان متتاليان ضمنا تأهّل المنتخب التشيلي إلى الدور ربع النهائي، رغم خسارة المباراة الثالثة من دور المجموعات أمام منتخب الأوروغواي بنتيجة (1-0). في دور ربع النهائي، واجه منتخب التشيلي أحد أكثر المنتخبات تنظيماً في البطولة، وهو منتخب كولومبيا. مزيجٌ من الشباب ولاعبي الخبرة جعل من المنتخب الكولومبي أحد أبرز المرشحين لنيل اللقب قبل انطلاق البطولة، غير أن ركلات الحظ، ابتسمت للمنتخب التشيلي في نهاية المطاف بعد انتهاء المباراة بالتعادل السلبي، ليتأهّل إلى دور نصف النهائي عبر ركلات الجزاء، التي باتت اختصاصاً للاعبي تشيلي منذ النسختين السابقتين من كوبا أميركا. للوصول إلى النهائي الثالث توالياً، سيتوجّب على المنتخب التشيلي تجاوز عقبة البيرو، المنتخب الذي يمكن أن يُطلق عليه لقب الحصان الأسود في البطولة اللاتينية.
رغم خسارته بخمسة أهداف نظيفة أمام منتخب البرازيل في ختام مباريات دور المجموعات، تمكّن منتخب البيرو من بلوغ الدور ربع النهائي كأفضل ثالث، بعد فوزه على بوليفيا (3-1) وتعادله السلبي مع فنزويلا في مباراته الأولى من البطولة. هكذا، تأهل منتخب البيرو إلى ربع نهائي كوبا أميركا، ووقع في مواجهة الأوروغواي، المنتخب الأكثر تتويجاً بالبطولة بـ15 لقباً.
ورغم أن معظم الترشيحات صبّت في مصلحة الأخير للتأهل إلى نصف نهائي البطولة نظراً إلى ما قدمه من أداءٍ ثابت، فجّر المنتخب البيروفي مفاجأة من العيار الثقيل بعد أن أقصى نظيره الأوروغوياني من دور ربع النهائي. شهدت المباراة سيطرة شبه تامة لرفقاء مهاجم نادي برشلونة الإسباني لويس سواريز، إذ تمكنوا بفعل سيل الهجمات على حارس المنتخب البيروفي من تسجيل ثلاثة أهداف، غير أنّ الحكم قام بإلغائها جميعها بعد أن لجأ إلى تقنية الفار (المراجعة بالفيديو). مع انتهاء اللقاء بالتعادل السلبي في الوقت الأصلي من المباراة، أُقصي منتخب الأوروغواي بعد خسارته ركلات الجزاء بنتيجة (5-4)، لتكون هذه المباراة هي الثالثة في ربع النهائي من النسخة الحالية التي تحسم بركلات الترجيح بعد تعادلٍ سلبي. هكذا، تأهّل منتخب البيرو إلى نصف نهائي كوبا أميركا، ليواجه منتخب تشيلي. مباراةٌ مصيرية تجمع المنتخبين من شأنها كتابة التاريخ لهما، تشيلي لوصولها إلى النهائي الثالث توالياً، وبيرو لحلمٍ بات على بعد مباراتين فقط.