لا شكّ أنّ الحياة التي يعيشها لاعبو كرة القدم، أو حتى الرياضيين المحترفين، يحسدهم عليها الكثيرون. من امتلاك القصور الفخمة إلى قيادة السيارات الفارهة، وصولاً إلى السفر والتجوال حول العالم. يبدو كل شيء مثالياً بالنسبة إلى اللاعب طالما أنّ الأموال تستمرّ بالتدفق إلى حساباته المصرفية. إلا أنّ التحدي الجدّي يبدأ عند الوصول إلى مرحلة اعتزال اللعب، حيث يسقط الكثير من اللاعبين في فخ إهدار ثرواتهم، وحتى قد يصل الأمر ببعضهم إلى حدّ الإفلاس.تطول القائمة كثيراً عند محاولة تعداد نجوم اللعبة الذين أعلنوا إفلاسهم بسبب سوء إدارة أموالهم، لينضمّ إليهم الأسطورة البرازيلية رونالدينيو أخيراً بعد تفاقم أزماته المالية.
منع رونالدينيو من السفر بسبب أزماته المالية (أرشيف)

من أفضل لاعب على مستوى العالم في مناسبتين، إلى لاعب يملك في حسابه المصرفي 7 دولارات فقط، لم يكن أحد ليتخيل الحالة التي وصل إليها أحد أفضل من أنجبتهم كرة القدم البرازيلية. رونالدينيو الذي مُنع في أواخر العام الماضي من السفر بسبب تراكم المستحقات المالية التي عجز عن دفعها بعد إفلاسه، منعته المحكمة البرازيلية الأسبوع الفائت من بيع 57 من عقاراته بسبب «غرامة بيئية» غير مدفوعة وديون أخرى. وبحسب ما كشفته صحيفة «فولها دي ساو باولو» المحلية، فإنّ نجم نادي برشلونة سابقاً مدين للحكومة بمبلغ يقارب الـ2.5 مليون دولار، وهي قيمة غرامات بيئية بعد بناء رصيف في منزل يطلّ على بحيرة في مدينة بورتو أليغري. كما أوضحت الصحيفة أنّ جهات أخرى اتّخذت إجراءات قضائية لاسترداد مبلغ مليوني دولار من النجم البرازيلي في قضايا مالية أخرى، مشيرةً إلى أنّ السلطات صادرت جواز سفر رونالدينيو حتى يتم حل النزاعات القضائية. إلا أنّ رونالدينيو ليس أول لاعب يصل إلى هذا الوضع الصعب، إذ سبقه العديد من النجوم أمثال الأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا، البرازيلي أدريانو، الإيفواري إيمانويل إيبوي وغيرهم...
تهرب مارادونا من دفع ما يقارب الـ50 مليون دولار لهيئة الضرائب في نابولي

تختلف مسارات لاعبي كرة القدم عادةً بعد الاعتزال. يتّجه بعضهم نحو خيار التدريب سواء في الأكاديميات والمدارس الكروية، أو حتى في كبرى الفرق والمنتخبات. جزء آخر يذهب نحو مجال تحليل المباريات من خلال التعاقد مع المحطات التلفزيونية، فيما يتّجه آخرون للعمل الإداري داخل الأندية. بطبيعة الحال، يحرص اللاعبون على الاستمرار في استغلال خبرتهم في المجال الذي لديهم معرفة كبيرة به، من خلال توظيف هذه الخبرة في المجال الرياضي. إلا أنّ الحال ليس هكذا دائماً، فقد يلجأ آخرون إلى البحث عن تجارب جديدة واستثمار ثرواتهم في مشاريع تجارية مختلفة. وهنا تبدأ المشاكل والأزمات المالية بالظهور والتفاقم.

خسارة الثروات
رغم أنّ احتراف كرة القدم بات مهنة تدرّ عشرات آلاف الدولارات أسبوعياً على اللاعبين، إلا أنّهم يواجهون مشكلة رئيسية، وهي أنّ الوقت المتاح أمامهم لجني الأموال محدود للغاية. فعلى عكس المهن الأخرى التي يمكن العمل فيها لسنوات طويلة، يبدو الوضع في كرة القدم مختلفاً، إذ تتراوح مدة بقاء لاعب كرة القدم في الملاعب بين 10 و15 سنة في المتوسط. لذلك، مستقبلهم المادي يتحدد بشكل كبير بما يجنونه من أموال خلال هذه الفترة. في هذا الإطار، كشفت جمعية «إكس برو» التي تُعنى بتقديم الدعم المالي للاعبين السابقين، أنّ ثلاثة من أصل خمسة لاعبين في الدوري الإنكليزي الممتاز ممن يتقاضون 30 ألف جنيه استرليني أسبوعياً يعلنون إفلاسهم في غضون خمس سنوات بعد اعتزالهم اللعب وأحياناً قبل توديع الملاعب. في حين أشار تقرير لمجلة «Sports Illustrated» صدر عام 2009 إلى أنّ 78% من لاعبي الدوري الأميركي لكرة القدم يصابون بالإفلاس أو يقعون تحت ضغوطات مالية خلال عامين من اعتزالهم.
منذ نهاية العام الماضي تفرض السلطات البرازيلية عقوبات بحق رونالدينيو بسبب أزماته المالية


تلعب العديد من العوامل أدواراً متفاوتة في الوصول إلى وضع مادي محرج كهذا. قد يبدو مبلغ 30 ألف جنيه أسبوعياً دخلاً كبيراً، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أنّ جزءاً كبيراً من هذا المبلغ يتعرض للاقتطاع بسبب الضرائب وأجور وكلاء اللاعبين وغيرها من المستحقات المالية. إلى جانب ذلك، تعاني نسبة كبيرة من اللاعبين من ضعف في التأهيل التعليمي بسبب انخراطهم في عالم الكرة في سن صغير، وهذا ما يجعلهم ينفقون أموالهم لاحقاً بشكل غير مسؤول وبدون أي إدارة. كما تلعب البيئة التي نشأ فيها اللاعبون الذين يأتون من أسر ذات دخل محدود أو فقيرة دوراً في وقوعهم في أزمات مالية لاحقاً، إذ أنّ العديد منهم لا يجيدون التعامل مع الثروة الكبيرة التي يحصلون عليها فجأة بعد توقيع عقد احترافي، أو أنهم يقعون في فخ تحايل البعض عليهم، ممن قد يقنعهم بأنه يريد أن يستثمر لهم هذه الأموال.
من جهة أخرى، يفشل العديد من نجوم الكرة في تغيير أسلوب حياتهم الباذخ بعد الاعتزال. الاعتياد على نمط حياة مكلف أمر مقبول خلال وجود مصدر للدخل، إلا أنّه عندما تتوقف الشيكات الكبيرة بالوصول بعد التقاعد، يواجه اللاعبون صعوبة في التكيّف مع نمط حياة أقل إنفاقاً، وهو ما يسبب لهم المشاكل خلال عدة سنوات لاحقة. ولأنّ خبرة اللاعبين العملية السابقة غالباً ما تكون محصورة في عالم كرة القدم، لذلك فهم يلجأون في العديد من الحالات إلى استثمار أموالهم في مشاريع مختلفة لضمان وجود مصدر مالي مستمر لهم. إلا أنّ المشكلة تمكن في أنّ الكثير من اللاعبين غالباً ما يتعرضون لسوء توجيه في كيفية استثمار الأموال، الأمر الذي يدخلهم في صفقات خاسرة. هكذا، يقع نجوم اللعبة ضحية نصائح خاطئة أو مشاريع استثمار غير مدروسة جيداً، حيث يتم استغلال معرفتهم المحدودة في الشؤون الاقتصادية والتجارية وعدم إلمامهم بخبايا هذا العالم.

اتُهم أدريانو بانضمامه إلى عصابة تروّج للمخدرات في ريو دي جانيرو

وهناك وجهة نظرة أخرى تقول، إن بعض اللاعبين يلجأون عمداً إلى إعلان إفلاسهم بعد وقت قصير من اعتزالهم لكرة القدم أو أي رياضة أخرى، وذلك في إطار سعيهم للتهرب من الضرائب، أو لنقل أموالهم إلى خارج بلادهم، وتحديداً إلى جزر الملاذات الضريبية. وتعتبر هذه واحدة من الحيل الكثيرة التي يمكن أن يلجأ لها أيّ لاعب أو رياضي محترف جنى ثروة هائلة خلال مسيرته الاحترافية، ويريد الحفاظ عليها، وهي ليست دائماً وسيلة ناجحة.
هكذا، يجد العديد من نجوم اللعبة أنفسهم في وضع مالي محرج خلال السنوات القليلة التي تلي اعتزالهم. لذلك، برزت مبادرات جديدة من قِبل بعض الهيئات الرياضية وعدة أندية كرة قدم لتثقيف اللاعبين لا سيما الشباب منهم في الشؤون المالية، وتزويدهم بالنصائح الضرورية لكيفية إدارة ثرواتهم بالشكل الملائم فيما بعد، تجنباً لانهيار حياتهم بعد الاعتزال. قد يحتاج الأمر إلى وقت طويل كي يشهد العالم تراجعاً حقيقياً في نسب الإفلاس، إلا أنّ الأمر جديرٌ بالمحاولة.