لا تنتهي اللحظات الصعبة التي تعيشها جماهير الرياضة خلال سنوات تشجيعها الطويلة. أن تكون مشجعاً مخلصاً يعني أن تحزن عند إصابة أحد لاعبي فريقك، أو أن تبكي عند اعتزاله اللعبة بشكل نهائي. تمنّي نفسك أن تشاهد نجومك المفضّلين في الملاعب دائماً، رغم أنّك تدرك جيّداً أنّ هذه المتعة لن تدوم. لكن أن تخسر أحد أساطير اللعبة، أن تفقد من كان يلهمك لسنواتٍ طويلة بشكلٍ مفاجئ، فهو أسوأ كوابيسك كمشجّع. أوّل من أمس فقدت كرة السلّة الأميركية نجمها كوبي براينت إلى الأبد. إلّا أنّ إرث براينت وعظمته لم تُحصر بالقارة الأميركية فقط، بل امتدّت لتلهم عالم السلّة بأسره.
قضت ابنته جيانا معه في حادثة تحطم الطائرة (أ ف ب )

لم يكن أكثر المتشائمين ليتوقّع رحيل الأسطورة الأميركية باكراً (41 عاماً)، وبهذه الطريقة المفجعة. لقي براينت حتفه في حادث تحطّم مروحيته الخاصة في مدينة لوس أنجليس، حين كان في طريقه إلى أكاديمية كرة السلة «مامبا» والتي يملكها كوبي، من أجل حضور حدث مهم. إلا أنّ ما جعل الأمر أسوأ، هو أنّ تحطم الطائرة أدّى إلى مقتل ثمانية أشخاص آخرين كانوا معه، بينهم ابنته جيانا البالغة من العمر 13 عاماً، والتي كانت تملك مستقبلاً واعداً في كرة السلة.
بطبيعة الحال، حلّت موجة كبيرة من الحزن تخطّت حدود الشارع الرياضي السلّوي. ولكن كان هناك حزنٌ خاص في مدينة لوس أنجليس الأميركية. كوبي كان أكثر الرياضيين شعبية في المدينة، إذ يملك مسيرة استمرّت 20 عاماً مع نادي «لوس أنجليس ليكرز»، توّج خلالها خمس مرات بلقب الدوري الأميركي للمحترفين. مسيرةٌ طويلة حافلة بالألقاب الجماعية والفردية، حفر خلالها اسمه في أذهان الجميع كأحد أفضل من أنجبتهم كرة السلة الأميركية.
كان كوبي محبّاً للكرة منذ طفولته، وهو ليس بالأمر المستغرب، إذ إنّ أباه جو براينت كان لاعب كرة سلة محترف أيضاً. لفت براينت الصغير الأنظار نحوه منذ سنّ مبكرة، ولم يطُل الأمر حتى نجح في إثبات نفسه كموهبة فذّة، لينضمّ بعدها إلى صفوف النادي الأميركي الذي احترف معه لعقدين من الزمن.
كان كوبي يُلقب بـ«The Black Mamba» في إشارة إلى تسديداته القاتلة


أرقامه مع «الليكرز» كانت استثنائية، إذ قاد الفريق إلى جانب النجم القوي شاكيل أونيل لتحقيق لقب الدوري في ثلاثة مواسم متتالية، ليحرز بعد رحيل أونيل لقبين إضافيين في الدوري مع النادي الأميركي. تصدّر براينت قائمة أعلى المسجلين في الدوري عامي 2006 و2007، وكان أفضل لاعب في نهائيات دوري كرة السلة الأميركية عامي 2009 و2010، والأفضل في الموسم على الإطلاق مرة واحدة عام 2008، كما شارك 18 مرة في مباراة «كل النجوم» وحصد لقب الأفضل في 4 منها. والأمر لم يقتصر على ذلك، إذ حاز الأسطورة الراحل على ذهبيتين أولمبيتين مع المنتخب الأميركي. ما حقّقه كان مذهلاً.
لكن بعد أقل من أربع سنوات على تقاعده من الدوري الأميركي للمحترفين، بدأ براينت يبحث عن تحديات جديدة، فدخل عالم الأعمال عبر افتتاحه شركة إنتاج بعد فترة وجيزة من تقاعده، مؤكّداً أنّه كان متحمّساً لرواية القصص بقدر اهتمامه بالرياضة. لم يطُل الأمر حتى فاز بجائزة الأوسكار عام 2018 عن فيلم الرسوم المتحركة القصير «عزيزتي كرة السلة»، والذي يروي فيه قصة حبه للّعبة.
لا يخفى أنّ كوبي لعب دوراً كبيراً في نموّ وتطوير كرة السلة الأميركية على المستوى العالمي خلال سنواته الاحترافية، إذ كان على علاقة جيدة بالكثير من الرياضيين والمشاهير حول العالم. براينت، الذي أجاد التكلم بأربع لغات، عُرف بحبه لكرة القدم، وتحديداً الإيطالية، لا سيما أنه قضى طفولته في إيطاليا، ليصبح من كبار مشجعي نادي ميلان. خلال سنواته الأخيرة، كرّس نفسه لتعزيز الرياضة النسائية، كما كان يعمل على إلهام جيل جديد عبر الرياضة. مع رحيل كوبي، خسرت كرة السلة أسطورةً لن تتكرر، وأحد أهمّ عظماء اللعبة على مرّ العصور.
كان كوبي يُلقب بـ«The Black Mamba» في إشارة إلى تحركاته في الملعب واختراقاته تحت السلة. الـ«Mamba» هي من أشد أنواع الأفاعي خطورة، وفي هذا إشارة إلى أن كوبي كان يقتل خصومه في الملعب بتسجيله النقاط المتتالية. في يوم اعتزاله قال كوبي «Mamba out»، أما اليوم فقد خرج إلى الأبد، ولن تبقى إلا سلّاته الأسطورية وذكرياته التي لا تُنسى في الملاعب.