مع نهاية العام الدراسي تتطلع الأمهات إلى الراحة. والدة تالين بقيت مشغولة هذا الصيف. رافقت ابنتها لمتابعة دروس السباحة. يقال إنه من غير المرجح أن يقوم الآباء والأمهات الذين لا يعرفون السباحة بتعليمها لأطفالهم، لكنها كسرت القاعدة: «مثلما لا أريد أن تفقد طفلتي مهارة القراءة في الصيف، فهي بحاجة أيضاً إلى متابعة السباحة». ماذا عن زميلات تالين في شغف السباحة؟«سمكتي الذهبية الصغيرة لن تتراجع». بالنسبة لأغلب القراء ستبدو هذه الجملة أشبه بـ«كليشيه». لكن بالنسبة إلى والدة تالين هذه حقيقة. فابنتها حققت أرقاماً قياسية جديدة الصيف الفائت: «أحب أن أقول لها عندما تكبر أنها عندما كانت في العاشرة من العمر حققت إنجازاً وميداليات ذهبية، ونجحت منذ البداية، ولا يزال لديك الكثير لتحقيقه». تتعامل مع السباحة كرياضة جدّية، وهذا نادر الحدوث في بيئتنا، بحيث أن الناس «يعرفون السباحة»، أو ما يعرفونه عن السباحة، هو أنها لا تغرق عندما تنزل إلى الماء. لكن السباحة شيء آخر. بالفعل، شاركت تالين مراد في بطولة السباحة الصيفية التي جرت بتاريخ 12و13 شهر آب الفائتين، وذهبت في بطولة لبنان للسباحة الصيفية لعام 2018، فسجلت رقماً قياسياً جديداً للبنان، وقد اعتُمد هذا الرقم اتحادياً، وقد حصلت على ميداليتين ذهبيتين: «50 ظهر مركز أول»، و«100 ظهر مركز أول»، مع تسجيل رقم لبناني جديد. إلا أن ذلك لم يحدث فجأة. فمنذ عمر سبع سنوات بدأت تالين المشاركة في نوادي السباحة الصيفية، وشاركت في بطولات السباحة التي جرت في لبنان وخارجه. حصدت على العديد من الميداليات، وتمكنت من تحويل متعة السباحة في النادي الصيفي إلى ممارسة على مدار السنة، لتحقق عن عمر عشر سنوات رقماً قياسياً جديداً.
قانون السباحة اللبناني لا يجيز للمحجبة المشاركة في بطولة لبنان


تالين استثناء ولهذا أسباب كثيرة. في مرحلة الطفولة ترغب «الصبايا» الصغار في الجنوب ممارسة هواية السباحة أكثر من «الصبيان». يتدربن، ويتعلمن، وعندما تبلغ الواحدة منهن الحادية عشرة من عمرها، تنصرف إلى أشياء أخرى. وتتحول السباحة إلى هواية، حسب كثيرين منهن... «لوجود عوائق دينية ورفض اجتماعي». والرفض الاجتماعي الذي تتحدث عنه صاحبات التجربة هنا، غالباً، هو رفض للأنثى في موقع «البطولة». إلى ذلك، ثمة عوائق «لوجستية» أيضاً، تتمثل بعدم وجود مدارس مجهزة بمسابح. فقلّما تلحظ المدارس في برامجها دروساً لتعليم السباحة. وحدهم طلاب وطالبات المدارس المتعاقدة مع نوادي سباحة ضمن الحصص الرياضية الموجودة في المدرسة باستطاعتهم المتابعة، لأن البرنامج الرياضي للمدرسة يحوي حصصاً لتدريب سباحة طوال العام. أما ما نحتاج إليه، برأي مدرب السباحة فراس ياسين، فهو «تسليط الضوء على المشكلة». في منطقة الجنوب لا يوجد إلا مسابح قليلة جداً... «إذا بتفتل الجنوب ما بتلاقي مسابح شبه أولمبية أو أولمبية غير واحد أو اثنين». ولضيق العدد، ليس بإمكان أي نادٍ محلي أن يضع مئتين أو ثلاثمئة طفل وطفلة في فريق واحد.

حققت تالين مراد رقماً قياسياً (الأخبار)

السيدة ليلى (٣٧ عاماً)، أرادت أن تكون سبّاحة عالمية، وأن تشارك في الألعاب الأولمبية. كانت لديها أحلام كبيرة ولكن «البيئة وقفت ضدّها». تقول إن «بيئة الجنوب بيئة متدينة ومثل معظم الأماكن المحافظة ترفض حرية الأنثى لأنها تخالف قناعاتها والقواعد الدينية الصارمة». تذكر جيداً يوم قال والدها كلمته: «السباحة من ألفها إلى يائها تخرق القواعد الدينية». وبما أن «النظام الأبوي» أقوى كحاضرٍ من الدين نفسه، كان قرار «الأب» حاسماً، وتجاوز قول الدين نفسه، حيث يقول النبي: «علّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل». لكن الوالد، نظر إلى الموضوع من زاوية الموروث: «السباحة لا تجوز، أولاً من حيث الاختلاط وثانياً من حيث اللباس». حتى أن ليلى، التي تحبّ والدها، تستفيض بالتذكير بآرائه التي تبدو لها غريبة اليوم: «رياضة السباحة على صعيد عالمي لها شروط لا تتطابق مع قيم المجتمع الجنوبي الذي هو مجتمع إسلامي ملتزم بالقوانين الشرعية، ففي الجنوب قليلات هنّ السافرات فكيف إذاً من يرتدين «المايو»؟».

«المحجبة» في القانون اللبناني
بطبيعة الحال، ليست البيئة الجنوبية وحدها تحارب نمو هواية السباحة لدى الإناث. المجتمع اللبناني بطريركي وهذا معروف. ماذا عن القانون؟ يبدو أنه يسوّغ التمييز بوضوح تام. ففي قانون السباحة اللبناني لا يحق للمحجبة المشاركة في بطولة لبنان للسباحة. وكانت يارا أحمد غدار (نادي فوربي)، وسيرين دعبول (من نادي الجزيرة) مُنعتا من المشاركة في بطولة لبنان. يعلق أحد المدربين المعترضين على حرمان المحجبات من حقهنّ الطبيعي في المشاركة: «نحن طُعنّا بهذا القانون أكثر من مرة، وفي آخر فترة سعى أكثر من نادٍ لمقابلة الوزيرة عناية عز الدين من أجل هذه القصة». وحسب المدرب كان للوزيرة مواقف داعمة لعدم التمييز ضد المحجبات في الوظائف الرسمية وغير الرسمية وانتهاك حقوق الإنسان، باعتبار الأمر مسألة شخصية. حتى الآن لم يحدث أي جديد، على صعيد السماح للمحجبات بالمشاركة في البطولات الرسمية للسباحة، رغم إيجابية الوزيرة. اللافت أن المسألة «لبنانية»، فيما يسمح قانون السباحة العالمي للمحجبة بالمشاركة في البطولات. وهنا تسأل رحاب: «ما الذي يزعج الاتحاد اللبناني إذا التزمت الفتاة المحجبة بديانتها في لباس السباحة؛ الأكمام طويلة، تغطيتها لمنطقة الرقبة، حجاب الرأس! يبدو أن الاتحاد اللبناني للسباحة يعتبر الحجاب مصدر قلق للسلامة العامة!».
بعيداً عن شحّ المسابح الأولمبية في الجنوب اللبناني، والبيئة المحافظة، ومشكلة القانون اللبناني «العويصة»، يرمي المدرب فراس ياسين جزءاً من المسؤولية على متطلبات السباحة نفسها، التي تكاد تكون مرهقة على الأهل من تحمّل عناء ومشقة المسافات للوصول إلى مركز التدريب إلى التكاليف المادية الكبيرة. «لدينا أطفال سجّلوا من منطقة اقليم التفاح والنبطية وصور بعمر الست سنوات، بعد سنتين أو ثلاث سيتعب الأهل، لأن السبّاح بحاجة إلى تدريب يومي، ما يعني توصيل أطفالهم كل يوم، بالإضافة إلى نظام غذائي محدد، فحوصات روتينية للسباحات والسباحين الأطفال، معسكرات تدربيبة خارج لبنان، إلخ». ولا يعني هذا أن السباحة رياضة «بورجوازية»، بل يعيد التذكير بمشاكل اللبنانيين المعتادة، من النقل والتعليم ودورة الحياة عموماً، التي تعيق علاقتهم بكل شيء. حتى ذلك الوقت، كل الجوانب الثقافية، القانونية، ومن خلفها الاقتصادية، تقف بوجه المرأة، لكي تصير «سبّاحة أولمبية». لكن تالين لن تيأس، وهي مصرّة على المتابعة.