أحرز برشلونة الإسباني لقب دوري أبطال أوروبا لكرة القدم للسيدات، بعدما قلب تأخره بهدفين ليفوز (3-2) على فولفسبورغ الألماني في النهائي الذي لُعب مساء السبت الفائت. تتويج تاريخي ثانٍ في آخر 3 سنوات بالنسبة إلى «بلوغرانا» لم يلقَ الأصداء اللائقة عالمياً، حيث ظلّت الأضواء مركّزة على نهائي «الذكور» الذي فاز به إشبيلية على حساب روما الأربعاء الماضي.اختلاف تراتبية الأهمية في الرياضات بين الذكور والإناث ليس بالأمر المستجد، بل ينسحب إلى سنواتٍ طوال. فمنذ نشأتها، نالت كرة القدم شهرتها الشعبية بأقدام الرجال وتحوّلت مع الوقت إلى قطاعٍ يغذّي العجلة الاقتصادية عبر اللاعبين، ومن خلفهم قاعدة جماهيرية يطغى عليها الذكور، أقله قبل بضعة عقود. فرضت المشاركة النسائية اللافتة بعدها واقعاً جديداً على اللعبة، حيث نُظّمت الاتحادات النسائية لكرة القدم وبرزت البطولات التنافسية. النساء دافعنَ وهاجمنَ، من دون أن يتمكَّنَ ،كما يُزعم، من اجتياز شباك «أبوية الكرة»، القابعة في أذهان بعض المشجعين.
شهدت السنوات الأخيرة «توجّهاً ظاهرياً» نحو مزيد من المساواة بين الجنسين في عالم المستديرة، بحيث أصبحت المرأة في كرة القدم «مرئية» بشكل متزايد كلاعبات، معلّقات، مسؤولات في الأندية... ومع ذلك، يرى البعض أن اللعبة الشعبية لا تزال معقلاً للهيمنة الذكورية، وتحديداً من ناحية تفاوت الأجور وميلها الصارخ نحو اللاعبين الذكور.
يعتقد جزء كبير من مناصري كرة القدم للرجال بأن التمييز الجنسي في الرياضات التنافسية هو نتيجة طبيعية للاختلاف البيولوجي. الافتراض الأساسي هو أن الذكور أقوى من الإناث بدنياً، نظراً إلى الاختلافات الجسدية مثل حجم الكتلة العضلية، طول الأطراف، القدرة الطبيعية على التحمل... إضافةً إلى ذلك، قارن البعض المرونة العاطفية للاعبات بشكل سلبي بمرونة الرجال. أما على الجهة المقابلة، تعترض مناصرات كرة القدم النسائية على تلك «الحجج»، معتبرةً إياها مجرد أداة لخلق تمييز رياضيّ ممتدّ من التمييز المجتمعي بين الجنسين.
بعيداً عن وجهات النظر المتفرّقة، قد يُبرَّر ربما التفاوت في المداخيل بين الذكور والإناث إذا تجرّدت كرة القدم من العوامل البيولوجية وتم النظر إليها كقطاع اقتصادي منتج. تتصف كرة القدم للرجال بندّية أكبر وجوانب فنية ذات وتيرة أعلى من تلك الموجودة عند السيدات. وبلُغة المال والأعمال، «مُنتَج» جذّاب بدرجة أكبر يعني عملاء محتملين أكثر، وبالتالي صفقات تلفزيونية أضخم... لتشمل العجلة بعناصرها المختلفة أجور اللاعبين في نهاية المطاف. ومع ذلك، السياق المنطقي للدورة لا يبرر حجم الهوّة. يبقى التفاوت ضخماً جداً، ليس مقارنةً باللاعبات فقط، بل بمعدل أجور قوة العاملة بالمجمل، وهو ما يفتح جدلاً آخر.
صحيح أن بعض الاتحادات أصبحت توازي أخيراً بين مداخيل منتخبات كرة القدم للنساء والرجال مثل النرويج وإنكلترا، لكن على صعيد المسابقات الموسمية للأندية، يبقى الفارق شاسعاً. ووفقاً لتقرير سابق لمجلة «فرانس فوتبول»، كانت النرويجية آدا هيغربرغ اللاعبة الأعلى دخلاً عام 2019، لكن دخلها في ذلك الوقت مثّل 0.3% فقط من مدخول الأرجنتيني ليونيل ميسي في العام نفسه، حتى إن الأجر السنوي لبعض اللاعبات يوازي أجر أسبوعٍ للاعب بارز في الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا.
من هنا، تظهر الحاجة إلى إعادة الهيكلة والتنظيم. تحسين جودة «المنتج» النسائي يرتبط بالمزيد من الاستثمارات المالية وتغيير جذري في الهيكلية بهدف زيادة الإضاءة على اللعبة ومن خلفها رفع الأجور وأموال الرعاية، وبالطبع لن يتحقق ذلك من دون مشاركة أكبر من القيّمين، وخاصةً الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا).