بقيت جولتان فقط ليُسدَل الستار على الموسم الحالي للدوري الألماني. المنافسة على اللقب حُسِمت. لا جديد يُذكر. بايرن ميونيخ بطل كالمعتاد. البافاري حسم الأمور مُسبقاً. ألغى كلمة «منافسة» من قاموس الصراع على اللقب مُبكراً. لكن الأمور في قاع الترتيب تبدو مختلفة كلياً. المنافسة على أشدّها للبقاء في الدرجة الأولى والهروب من الهبوط، لكنها ليست أي منافسة، إذ إن فرقاً عريقة وكبيرة تصارع للحفاظ على تاريخها قبل حاضرها.يقف فريقا هامبورغ وفولسبورغ في موقف لا يُحسدان عليه مع اقتراب الموسم الحالي من الدوري الألماني من الانتهاء. الاثنان مهددان بالهبوط إلى الدرجة الثانية أو على الأقل سيخوض أحدهما الملحق. الحديث هنا عن تاريخ كبير في «البوندسليغا». فريق «كبير» آخر: كولن هبط فعلياً. الفريق الذي ارتدى قميصه في السنوات الأخيرة النجم الألماني لوكاس بودولسكي بات في الدرجة الثانية. كولن ليس فريقاً عادياً في الملاعب الألمانية. صحيح أنه عانى في السنوات الأخيرة، لكن كولن يحمل تاريخاً كبيراً. هو بطل ألمانيا 3 مرات في 1962 و1964 و1978 أي في الحقبة التي كانت تزخر فيها الكرة الألمانية بالأساطير والنجوم العمالقة. لقب عام 1964 له خصوصية وسيبقى خالداً في ألمانيا، إذ إنه الأول في بطولة الدوري بمسماها «البوندسليغا»، هذا فضلاً عن نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة سابقاً (دوري الأبطال حالياً) عام 1979 ونهائي كأس الاتحاد الأوروبي سابقاً (يوروبا ليغ حالياً) عام 1986. كثيرون عرفوا كولن في السنوات الأخيرة عبر شهرة بودولسكي فيما أن اللبنانيين تعلّقوا به من خلال النجمين رضا عنتر ويوسف محمد اللذين لعبا في صفوفه، لكن هذا الفريق ارتدى قميصه نجوم كبار؛ بينهم المحليون أمثال كلاوس ألوفس وكلاوس فيشر وبيرند شوستر وراينر بونهوف وتوماس هاسلر وبيار ليتبارسكي ويورغن كولر والحارسين هارالد شوماخر وبودو إيليغنر، وأجانب أمثال الكاميروني ريغوبرت سونغ والنيجيري صنداي أوليسيه. كل هذا التاريخ أصبح في الدرجة الثانية. هبوط كولن خسارة لـ«البوندسليغا».
كيفن كيغان في هامبورغ عام 1979

الآن، بقي فريق سيهبط وآخر سيخوض مباراتين فاصلتين مع ثالث الدرجة الثانية. في الترتيب الحالي، فإن الفريق الذي يقبع في دائرة الخطر هو هامبورغ بـ 28 نقطة وأمامه فولسبورغ بـ 30 نقطة في دائرة الانتظار، فيما يبدو أن ماينز وفرايبورغ بـ 33 نقطة لكل منهما مرتاحان نوعاً، وعلى الأقل فإنهما مهدّدان فقط بخوض الملحق. إذاً الخطر الحقيقي على فولسبورغ وهامبورغ. اسمان، بدورهما، كبيران، رغم أنهما يتفاوتان في العراقة والتاريخ. إذ بالنسبة إلى فولسبورغ فإنه صنع تاريخه حديثاً في الوقت الذي تراجع فيه هامبورغ كثيراً. فولسبورغ شكّل في السنوات الأخيرة أحد الفرق القليلة التي أوقفت هيمنة بايرن على اللقب. كان ذلك تحديداً عام 2009 مع البرازيلي غرافيتي والإيطالي أندريا بارزاغلي عندما توِّج به للمرة الأولى في تاريخه، أما في 2015 مع الكرواتي إيفيكا أوليتش فقد حلّ وصيفاً للبافاري. في نظرة إلى الأسماء التي لعبت في تلك السنوات مع فولسبورغ، يتبيّن أنه قدّم أفضل النجوم الحاليين في الفرق الأوروبية الكبرى. الحديث هنا عن نجوم أمثال الألمانيين جوليان دراكسلر وأندريه شورله والبلجيكي كيفن دي بروين والبوسني إيدين دزيكو.
أحرز هامبورغ لقب «البوندسليغا» 6 مرّات وحل وصيفاً 9 مرّات وتوِّج بطلاً لأوروبا عام 1983


لكن الأمور تبدّلت جذرياً في العامين الأخيرين. في الموسم الماضي كاد فولسبورغ أن يهبط إلى الدرجة الثانية عندما خاض مباراتين فاصلتين في الملحق، خرج منهما سالماً. اللافت أن الوضع الصعب لفولسبورغ هذا الموسم جاء رغم أنه عزّز صفوفه بالبلجيكي ديفوك أوريجي والبولوني ياكوب بلاتشيكوفسكي والسويسري أدمير محمدي، لكن المشكلة تمثّلت بعدم الاستقرار الفني، حيث إن النادي أقال مدربه الهولندي أندرياس يونكر في أيلول الماضي مع الجولات الأولى من الموسم واستعان بالسويسري مارتن شيمدت بدلاً منه، ليعود ويُقيل الأخير في آذار الماضي نظراً الى سوء النتائج ويستعين بالمدرب الحالي المحلي برونو لاباديا، ورغم ذلك، فإن الأمور لم تتغيّر وقد تعرّض في المباراة الأخيرة للخسارة في المباراة المهمة على ملعبه أمام هامبورغ نفسه 1-3، كان الفوز بها كفيلاً بأن يُبعده عن دائرة الهبوط. إذاً، في المقابل، فإن فوز هامبورغ في هذه المباراة كان حاسماً في بقاء حظوظه بخوض الملحق مع صعوبة تعويضه فارق النقاط الخمس مع ماينز وفرايبورغ. لكن رغم ذلك، فإن هامبورغ لا يزال مهدداً فعلياً بالهبوط إلى الدرجة الثانية أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي خسارة إنجازه باعتباره الفريق الوحيد الذي لم يغادر الدرجة الأولى منذ انطلاق «البوندسليغا». المشهد نفسه يتكرّر مع هامبورغ في السنوات الأخيرة. في الموسم الماضي «زمط» من الهبوط في الجولات الأخيرة، أما قبل 3 مواسم فقد لامس الدرجة الثانية عندما لعب مباراتين فاصلتين في الملحق أبقتاه في الأولى.

من مباراة لفولسبورغ في خريف 1966

الحديث عن هامبورغ مختلف، إذ فضلاً عن أنه لم يسبق أن هبط إلى الدرجة الثانية، فإنه يشكّل تاريخاً في الكرة الألمانية. هامبورغ، بحد ذاته، يشكل الذاكرة الجميلة في فترة السبعينيات والثمانينيات. هو الفريق العريق وصاحب الإرث الكبير الذي أحرز لقب «البوندسليغا» 6 مرّات وحل وصيفاً 9 مرّات وتوِّج بطلاً لأوروبا عام 1983 ولكأس الكؤوس الأوروبية السابقة عام 1977. هو الفريق العريق الذي ارتدى قميصه نجوم عمالقة أمثال الألمان «القيصر» فرانتس بكنباور وفيليكس ماغاث وأوفي زيلر وهورست هروبيش والإنكليزي كيفن كيغان والسويدي مارتن دالين والإيراني مهدي مهدافيكيا والبرازيلي زي روبرتو والهولندي رود فان نيستلروي. هو الفريق الكبير الذي قارع بايرن في السبعينيات والثمانينيات، لكن الحال وصلت به الآن إلى أن يسقط أمام البافاري بنتيجة 0-6 في هذا الموسم و0-8 في الموسم الماضي. هو الفريق الذي كان يمتلك أقوى لاعبي الهجوم، وإذا به الآن صاحب أضعف هجوم في «البوندسليغا» هذا الموسم. وصلت به الحال أن تخلو تشكيلته من النجوم وهذا مردّه إلى معاناته على الصعيد المالي التي تحول دون تعزيز صفوفه بهم، حيث إن أبرز لاعبيه هما المحليان لويس هولتبي وآرون هانت اللذان لعبا في فترة سابقة لمنتخب ألمانيا وهما، مقارنة بالنجوم الألمان الحاليين، يُعتبران لاعبين عاديين.
في الجولتين الأخيرتين، يحل فولسبورغ ضيفاً على لايبزيغ السادس ثم يستقبل كولن الأخير. أما هامبورغ، فيحل ضيفاً على أينتراخت فرانكفورت السابع ثم يستضيف بوروسيا مونشنغلادباخ التاسع. الترجيحات تصبّ في مصلحة فولسبورغ، لكن كل شيء يبقى وارداً. على أي حال، ستكون خسارة لـ«البوندسليغا» في حال لم يكن فولسبورغ أو هامبورغ بين فرق البطولة في الموسم المقبل. الخسارة أكبر طبعاً لو لم يوجد هامبورغ.


كايزرسلاوترن في الدرجة الثالثة!
قصة محزنة شهدتها الملاعب الألمانية في الفترة الأخيرة. محزنة طبعاً عندما نعلم أن الفريق العريق كايزرسلاوترن هبط إلى الدرجة الثالثة بعدما غابت شمسه عن الدرجة الأولى منذ موسم 2011-2012. يكفي القول إن كايزرسلاوترن من أقدم الفرق الألمانية، إذ إنه تأسّس عام 1900، وهو أحرز لقب الدوري الألماني 4 مرات وكأس ألمانيا مرتين ولعب نصف نهائي كأس الاتحاد الأوروبي سابقاً (يوروبا ليغ حالياً) مرتين. يكفي القول إن هذا الفريق لعب في صفوفه في البدايات الأسطورة فريتز فالتر قائد منتخب ألمانيا الفائز بأول لقب لكأس العالم عام 1954، وإن نجوماً كباراً ارتدوا قميصه أمثال الألمان ميروسلاف كلوزه ومايكل بالاك وأندرياس بريمه وماريو بازلر والفرنسي يوري دجوركاييف والنيجيري تاريبو ويست والسويسري كيرياكو سفورزا. يكفي القول إن أوتو ريهاغل كان مدربه وعاش معه أجمل اللحظات، كما جماهير الفريق التي باتت تبكي الآن على الأطلال.