انتهى الأمر في تلك الليلة النارية سريعاً. أقام في نهايتها لاعبو فرنسا ممراً شرفياً للاعبي كرواتيا لحظة صعودهم منصة التتويج. لكن المفارقة أنهم كانوا الأبطال فيها. لم يكن يبقى لفرنسا سوى هذه البطولة لتكمل سلسلة نجاحاتها الممكنة. حققت إذاً كأس العالم، الأولمبياد، كأس القارات، كأس الأمم الأوروبية، بمدير فني أحرز اللقب لاعباً ومدرباً. مع بروز الشاب الفرنسي كيليان مبابي الذي أبهر العالم بسرعة غير عادية أمام الأرجنتين، في مواجهة حصل فيها على ركلة جزاء وسجل هدفين، ليتقمص شخصية العدّاء أوسين بولت، ويكتب اسمه مع أساطير المونديال. هكذا رسم مونديال روسيا 2018 معالم جديدة في خريطة العالم الكروية، بانت نتائجها على كافة عناصر اللعبة. في التخطيط والإعداد والتدريب وحضور اللاعبين وعطاءاتهم، وصولاً إلى التحكيم الذي خضع لتقنية «VAR» بتجربتها الرسمية الأولى. فبين مؤيد ومعارض، استخدمت تقنية الفيديو للمرة الأولى في كأس العالم، وأظهرت أموراً إيجابية وأخرى سلبية. رأى النقّاد أنها تُتَّبَع لخدمة المنتخبات الكبرى، بينما تساءل البعض الآخر: «على أي أساس يطلب الحكم الاستعانة بـ«VAR» في هذه الحالة، فيما لا يستخدمها في حالة أخرى؟». على أي حال، إن تقنية الفيديو بحاجة إلى بعض التعديلات، أبرزها سرعة اتخاذ القرار، ووضع شروط محددة تنفّذ في كل المباريات. عموماً، أبهرت روسيا العالم بنجاح تنظيمي لم يكن أحد يتوقع أن يصل إلى هذا الحد، في ظل الأوضاع الأمنية والتوترات السياسية والديبلوماسية بين الدول. مونديال 2018 سيدخل في ذاكرة التاريخ الخالدة. مفاجآت عدّة تفجّرت، إن كانت بخروج الكبار، أو الأهداف الكثيرة، وصولاً إلى التسجيل من ركلات ثابتة بأعداد كبيرة
ما قبل النهائيات وبعدها
أولى المفاجآت كانت عدم تأهل إيطاليا «بطلة 2006» وهولندا «ثالثة 2014» إلى النهائيات. منتخبان لطالم كانا يضفيان على المونديال نكهة خاصة، نظراً لشعبيتَيهما، فضلاً عن أن الكرة الإيطالية تُعَدّ من بين الخمس الأفضل عالمياً. بداية النهائيات مفاجأة أيضاً. خسارة قاسية تعرض لها المنتخب السعودي أمام نظيره الروسي «المضيف» بخماسية نظيفة، شكّلت صدمة لدى الجماهير العربية والسعودية، وحتى الروسية، التي لم تكن تتوقع هذه البداية ولا هذه النتيجة الكبيرة. فعلى غير العادة، شهدت هذه النسخة مشاركة 4 منتخبات عربية «دفعة واحدة» للمرة الأولى في التاريخ، هي مصر والمغرب وتونس والسعودية. انتهت هذه المشاركة العربية بخيبة أمل، حيث فشلت جميع المنتخبات العربية في التأهل إلى دور الـ 16، ولم يتوقع أكثر المتشائمين أن تغادر المنتخبات العربية روسيا بتلك السرعة. اكتفى منتخبا السعودية وتونس بتحقيق فوز وحيد على منتخبي مصر وبنما، بينما حصد منتخب المغرب نقطة وحيدة بالتعادل مع إسبانيا، بينما خسر المنتخب المصري مبارياته الثلاث في المونديال. رغم ذلك، دخلت مصر التاريخ. أصبح الحارس المصري عصام الحضري أكبر لاعب سناً يشارك في كأس العالم عندما خاض المباراة الأخيرة في دور المجموعات أمام السعودية وعمره 45 عاماً و161 يوماً.

إنكلترا تكسر اللعنة


تخطت إنكلترا مشكلتها مع الركلات الترجيحية، حيث لم تستطع الفوز بها في أي نسخة بعدما خسرت 3 مرات في 1990 و1998 و2006، إضافة إلى خسارة 3 من أربع مرات في بطولة أوروبا، وذلك بفوزها على كولومبيا. إضافة إلى التميز بالركلات الثابتة، حيث سجل الإنكليز 9 أهداف من أصل 12 هدفاً، وكان قلب الدفاع هاري ماغواير الأكثر خطورة بالكرات الرأسية.

إفريقيا مجدداً
على مستوى إفريقيا، شهد مونديال روسيا خروجاً جماعياً لمنتخبات إفريقيا من الدور الأول، حيث ودعت منتخبات مصر ونيجيريا والمغرب وتونس والسنغال منافسات كأس العالم من دور المجموعات. وهذه هي المرة الأولى منذ 36 عاماً التي تغيب فيها منتخبات إفريقيا عن دور الـ16 في المونديال.

سقوط الكبار
مفاجأة جديدة قديمة تضاف. بطل العالم السابق يغادر من الدور الأول. لعنة البطولة منذ عام 2006 لاحقت ألمانيا «بطلة 2014»، فخرجت من الدور الأول للمرة الأولى منذ 80 عاماً، واحتلت المركز الأخير بثلاث نقاط فقط، بخسارتها أمام المكسيك وكوريا الجنوبية وفوزها اليتيم على السويد. كذلك تبخرت أحلام الثنائي الأفضل في العالم، ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، بالفوز ببطولة كأس العالم للمرة الأولى في التاريخ، بعدما ودّع منتخبا الأرجنتين والبرتغال منافسات المونديال من دور الـ16 بعد الخسارة أمام فرنسا وأوروغواي على الترتيب. كذلك خرج منتخب إسبانيا من الدور ذاته، بالخسارة أمام روسيا بركلات الترجيح. أما منتخب البرازيل، فلم يتمكن بقيادة نيمار من حصد كأس العالم للمرة الأولى منذ نسخة 2002 التي أقيمت في كوريا الجنوبية واليابان بعد الهزيمة أمام بلجيكا بنتيجة 1 – 2 ضمن منافسات الدور ربع النهائي.

اليابان تصنع تاريخ آسيا


على الرغم أن منتخب اليابان ودع منافسات كأس العالم 2018 من دور الـ16 بعد الهزيمة أمام بلجيكا بنتيجة 2 – 3، بعدما كان متقدماً بهدفين دون مقابل، إلا أنه نجح في كسب احترام العالم، رافعاً راية آسيا في المونديال. الراية الآسيوية حملت بفخر داخل الملعب وخارجه. بعد الهزيمة المؤلمة ضد بلجيكا، كان يمكن التماس العذر للاعبي اليابان لإلقاء الأكواب على الأرض، لكنهم جمعوا كل القاذورات ونظفوا غرفة الملابس لتظهر كأنها لم تستخدم من قبل. تركوا ملحوظة باللغة الروسية يشكرون فيها البلد المستضيف. وبات منتخب اليابان أكثر المنتخبات الآسيوية نجاحاً في الوصول إلى الأدوار الإقصائية بتاريخ بطولات كأس العالم، بحيث تمكن من تخطي الدور الأول أعوام 2002، 2010، 2018. وجاء منتخب كوريا الجنوبية في المركز الثاني، بعدما تأهل للأدوار الإقصائية عامي 2002، 2010، ثم السعودية التي صعدت إلى دور الـ16 في مونديال 1994، ثم كوريا الشمالية في مونديال 1966. المنتخبات الآسيوية نجحت في حصد 15 نقطة ضمن منافسات دور المجموعات ببطولة كأس العالم، بعدما تمكنت 4 منتخبات من أصل 5 من تحقيق الفوز خلال مبارياتها الثلاث، ليكون ذلك رقماً قياسياً لمنتخبات قارة آسيا. ولم تتمكن القارة الصفراء من حصد 15 نقطة في دور المجموعات على مدار تاريخ مشاركات منتخباتها في كأس العالم.

الأحصنة السوداء
لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل استمرت المفاجآت حين وصلت روسيا، التي لم يكن يتوقع تخطيها الدور الأول، إلى الدور ربع النهائي، بعد فوزها على إسبانيا في دور الـ 16. إلا ان مشوارها انتهى عند محطة كرواتيا، التي وصلت إلى النهائي بفوزها على إنكلترا، وقد لعبت كرواتيا ثلاث مباريات متتالية بأشواطها الإضافية، ما جعل المدير الفني للمنتخب زلاتكو داليتش يقول: «لعبنا أمام فرنسا مباراتنا الثامنة».

النهائي أوروبي
للمرة الثالثة في آخر 4 بطولات، نهائي بطولة كأس العالم كان بين فريقين أوروبيين. كان الدور نصف النهائي أيضاً أوروبياً خالصاً في نسخة 2018، وفي البطولة السابقة التي أقيمت في القارة في 2006. مرّة أخرى سيطرت المنتخبات الأوروبية الكبيرة، وبعض الفرق الأقل مكانة أيضاً، على البطولة رغم عدم تأهل إيطاليا وهولندا.