لا يختلف اثنان على صعوبة مهمة أي مدرب يشرف على أحد الفرق في الدوري اللبناني لكرة القدم، إذ بغضّ النظر عن اسم الفريق أو إمكاناته أو مستواه، فإن المدرب مطالب دائماً بتحقيق النتائج، وأحياناً بتحقيق الفوز في كل مباراة، وإلا فستكون الإقالة أو الدفع إلى الاستقالة بانتظاره في نهاية المطاف.ربما كانت واقعة استقالة مدرب النجمة السابق بوريس بونياك، المثال الأبرز على ما ذُكر سلفاً، إذ بنظر الكثيرين، إن إدارة النجمة كانت بانتظار الصربي «على المفرق» لإقالته عند أول خسارة، وهذا ما حصل عندما أعلن هو بنفسه قرار تخلّيه عن تدريب الفريق، وهي خطوة تحصل غالباً باتفاق بين الطرفين، وذلك لحفظ ماء الوجه وسمعة المدرب.
بطبيعة الحال، النقطة الأساس هنا تتعلق باختيار الأندية للمدربين، وخصوصاً الأجانب، الذين حصدوا الفشل بعد 11 مرحلة، ليبقى بمنأى عن هذا التوصيف مدربَين عربيَّين، هما الأردني عبد الله أبو زمع (الأنصار) والعراقي عبد الوهاب أبو الهيل (الإخاء الأهلي عاليه)، اللذين حظيا برضى إدارتَي نادييهما، وخصوصاً بعدما قدّم فريقاهما المستوى المأمول بعيداً من النتائج.
وعند هذه النقطة، يمكن التوقف أيضاً، وسط إشكالية كروية حاضرة عالمياً أصلاً، يُطرح فيها سؤال دائم: هل نحكم على المدرب استناداً إلى نتائجه، أم من خلال المستوى العام الذي يقدّمه فريقه؟
الواقع أنّ الإجابة عبر الأحداث التي حصلت شملت الأمرين معاً، إذ خرج البعض من مناصبهم بسبب نتائج فرقهم، ورحل البعض الآخر بسبب الأداء المتواضع، أو حتى للسببين المذكورين.

اللبناني أفضل من الأجنبي؟
والحديث مع الخبراء والمتابعين من كثب للكرة اللبنانية، يترك إجابات كثيرة تُنصف المدرب اللبناني على نظيره الأجنبي، إذ يتفق كثيرون على أن المنتخبات الوطنية تحتاج إلى مدربين متفرغين، وهو أمر يؤمّنه المدرب الاجنبي، الذي يسخّر وقته لمراقبة كل المباريات واللاعبين، ثم ينقل أفكاره التطويرية إليهم، ما ينعكس إيجاباً على اللعبة عامةً.
وهنا تبرز نقطة عدم إيمان الكثيرين بالأجانب بعد الآن، إذ حتى «صانع الفترة الذهبية» للمنتخب الوطني، أي الألماني ثيو بوكير، خرج من دائرة الضوء بالصورة نفسها التي يخرج منها أي مدرب لبناني، لكون إدارات الأندية تتعاطى مع جميع المدربين بالطريقة نفسها، فتطلب ترجمة أفكارها أولاً، وتحقيق آمالها ثانياً، حتى يكون هناك اقتناع تام بهذا المدرب أو ذاك.
لكن الواقع أن المدرب اللبناني أثبت نفسه في مجالات عدة في الدوري اللبناني، إذ يكفي أن يكون باسم مرمر الأفضل على هذا الصعيد لكي نتأكد أنه يمكن مدرباً لبنانياً مثقفاً كرويّاً أن يؤدي دوراً ناجحاً في البطولة. ومع استقالة 4 أجانب أو إقالتهم، وحلول مدرب محلي مكان مواطنٍ له وإصابته النجاح سريعاً (حسن حسون بدلاً من فؤاد ليلا في الشباب الغازية)، تأتي المعادلة لتقول إن المدرب اللبناني أفضل من الأجنبي، لا بسبب قلّة إمكانات الأخير أو ضعفه، بل بسبب معرفته بالوضع العام وبواقع الأندية واللاعبين.
استقال بونياك بعدما شعر بأن هناك مجموعة من اللاعبين غير وفيّة له وتريد إفشاله


وهنا الحديث عن معرفة المدرب اللبناني لكيفية التعامل مع اللاعبين، وهي أصعب مهمات أي مدربٍ أجنبي أو أي مدربٍ قادمٍ حديثاً إلى لبنان. ومن المهم جداً أن يعرف المدرب خباياً طريقة عيش كل لاعب وزواياها، ففي نهاية المطاف لا يعيش اللاعبون اللبنانيون حياة احترافية، بل لكل واحدٍ منهم أسلوب حياة لا يشبه أسلوب الآخر، وبالتالي يحتّم هذا الأمر على المدربين التعامل بخصوصية مع كل واحدٍ منهم. وهذه النقطة أساسية جداً، فالعامل البسيكولوجي مؤثر جداً في إخراج الأفضل من كل لاعب في عملية الاستعداد للمباريات أو خلالها.
وهذه المسائل عرفها المدربان العربيان الوحيدان في الدوري، إذ يسرد مصدر مقرّب من أبو زمع كلاماً عن نجاحٍ سريع للأردني في جمع لاعبي الأنصار حوله وإقناعهم بأفكاره، لكون اللاعب اللبناني يشبه نظيره الأردني على صعيد العقلية، بينما نجح أبو الهيل موسماً بعد آخر مع الإخاء بفعل مروره بالملاعب اللبنانية لاعباً، ومعرفته بكل تفاصيلها وبكل ما يعيشه لاعبوها.

مشاكل مشتركة للأجانب
وعند كل مدرب أجنبي خرج من ناديه، يمكن التوقف لمعرفة المشاكل التي تبدو مشتركة أحياناً، والتي وقع الأجانب في فخها، وبعضهم من نصبها لنفسه، فكانت المقصلة بانتظاره.
من هنا، لم يكن مستغرباً أن يكون مدرب الصفاء السابق تيتا فاليريو أول الراحلين هذا الموسم. فهذا المدرب الذي كانت له بصمات ناجحة مع الفريق الأصفر، سقط في فخ عناده، إذ رفض التعاقد مع أكثر من اسمٍ بارز، لا بل كان قريباً من خوض الدوري بأجنبيين فقط بسبب عدم اقتناعه بأي أجنبي قبل أن تتدارك الإدارة الموضوع وتستعيد الكاميروني ستانلي إيشابي الذي كان أكثر لاعبي الصفاء مشاركة في مرحلة الذهاب. عناد فاليريو أوصله حتى إلى الاعتكاف عن التمارين بسبب ضمّ الصفاء للاعب واعد، هو علي طحان، من العهد، قبل ترحيل الأخير إلى الحكمة كرمى لعيون المدرب، الذي لم يحقق الفريق بقيادته أي انتصار في أسوأ بداية له منذ زمنٍ طويل.
وربما لم يعلم فاليريو ما يعرفه المدربون اللبنانيون بأنّ عليك كسب ودّ اللاعبين لكي تحفظ رأسك. هي نقطة ربما شعر بها بونياك متأخراً، إذ يقول أحد المقرّبين منه إن الصربي لم يتردد لحظة في تقديم استقالته بعدما أصبح يملك شعوراً بأن هناك مجموعة من اللاعبين غير وفيّة له، وتريد إفشاله. معلومات غير مستبعدة أبداً، لكن الواضح أن العديد من لاعبي النجمة لم يهضموا كثيراً مدربهم، وهو الآخر الذي يتصرف بعناد حتى مع أعضاء في اللجنة الفنية سألوه أحياناً عن خياراته، فاعتبر هذا الأمر تدخلاً في شؤونه، علماً أن النجمة لم يقدّم معه أداءً مقنعاً، لكن بلا شك حقق نتائج جيّدة تترك مهمة ثقيلة على خليفته موسى حجيج، إذ في نهاية المطاف ينظر الجمهور إلى النتيجة لإطلاق الاحتفالات بعيداً من كل الملاحظات والتحليلات التي تفرزها نهاية كل مباراة.
كذلك، رغم شخصيته الهادئة وطبعه الخلوق، بقي التونسي طارق ثابت مصرّاً على فلسفته التكتيكية التي لم تكن مرضية بالنسبة إلى العديد من الكوادر الفنية في السلام زغرتا، فكان أن انتهى به المطاف مستقيلاً.
والاستقالة أيضاً كانت قرار المدرب الفنزويلي كيكي غارسيا، الذي كرر ما فعله الموسم الماضي مع النبي شيت، لكن تحت مسمّى البقاع، إذ يبدو أنه لم يتعلم من تجربته السابقة «الصعبة» مع الفريق البقاعي، فكان أن أنهى مشواراً ثانياً معه، رغم العمل الجيّد الذي قام به بشهادة الكثيرين.
إذاً، هي إشكالية واسعة، لكن بلا شك، إن النتائج التي حققها المدربون المحليون والمشاكل التي عانى منها الأجانب تترك الأندية أمام حسابات طويلة عند قرار تعيين أي مدرب، وحيث يفترض أن يكون التفكير الأول في كيفية العمل على خطة طويلة الأمد بدلاً من التغيير في كل فترة والبدء في عملية البناء من النقطة الصفر.