توّج نادي أياكس أمستردام قبل أيّام بلقبه الـ34 في الدوري الهولندي لكرة القدم، وأهدى النادي عبر حسابه الرسمي في تويتر اللقب للاعبه الهولندي صاحب الأصول المغربية، عبد الحق نوري. الأخير، كان يعيش بداية مسيرة كروية مميّزة. انطلاقة اللاعب كانت تدل على أنه سيكون من أبرز الأسماء في أوروبا خلال السنوات القليلة المقبلة. صاحب الرقم 34، ارتدى قميص فريق حياته أياكس منذ صغره، هو ابن النادي، تماماً كغيره من اللاعبين الذين تركوا بصمتهم في بطولة دوري أبطال أوروبا الحالية.شاء القدر أن لا يشارك اللاعب المميّز عبد الحق نوري برفقة زملائه الـ«مغاربة» في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، ليعيش معهم «حكاية» لم يكن لأحد أن يتوقّعها. النادي الهولندي بلاعبيه الشبان فاجأ الجميع، ووصل إلى نصف نهائي أمجد البطولات الأوروبية الـ«تشامبيونزليغ». قصة نوري الحزينة والتي أبعدته عن الملاعب، بدأت في عام 2017. أصيب نوري حينها، وتحديداً خلال مباراة وديّة تحضيرية لموسم 2017-2018 أمام نادي فردير بريمين الألماني. خلال المباراة سقط اللاعب الشاب على أرض الملعب، ليتبيّن، لاحقاً بعد إجراء الفحوصات الطبيّة، أنه أصيب بتلف في دماغه، أدّى إلى سقوطه أرضاً وبسرعة قياسية.
تسارعت دقّات قلبه الضعيف، لم يعلم اللاعبون من حوله خطورة ما يحدث. وقف الجميع في حالة ذهول، ولكن كلّ ما دار في رؤوسهم كان أنه تعرّض لإصابة عضليّة، حتّى تطورت الأمور أكثر، وغاب نوري عن الوعي تماماً، وهو لا يزال كذلك حتى اليوم.
لنوري الكثير من الزملاء المقرّبين، بينهم نجوم أياكس أمستردام الحاليين، كفرنكي دي يونغ لاعب برشلونة المنتقل من الفريق الهولندي، وماتياس دي ليخت قائد الفريق، والمغربيين حكيم زيّاش ومنصور مزراوي، كذلك لاعب أياكس السابق وروما الإيطالي الحالي الهولندي جاستن كلويفرت. الأخير، اختار القميص الذي يحمل الرقم 34 مع «ذئاب العاصمة» الإيطالية، تضامناً مع صديقه وزميله السابق نوري. تماماً كما فعل أمين يونس اللاعب الألماني ذو الأصول اللبنانية مع نابولي الإيطالي. للنجم الهولندي الشاب، الذي مثّل منتخب الطّواحين، زملاء خارج نطاق ملعب «يوهان كرويف» أيضاً، من بينهم لاعب برشلونة الفرنسي عثمان ديمبيلي، الذي لا يزال حتّى الآن، يضع رقم واسم النجم المغربي على حذائه كنوع من الذكرى والوفاء لصديقه. تجدر الإشارة إلى أنه في عالم الكرة يضع اللاعبون أسماء أو أرقام أصدقائهم أو أولادهم على الأحذية الرياضية، كنوع من المحبة والذكرى الجميلة.
انطلاقة اللاعب كانت تدل على أنه سيكون من أبرز الأسماء في أوروبا


يقول داني بلند رئيس أكاديمية نادي أياكس أمستردام ووالد اللاعب الحالي للفريق دايلي بلند، إن الجميع من متابعين ونقّاد ومشجعين وجماهير، لن يصدقوا كم كان عبد الحق نوري مميّزاً، كما لن يكونوا قادرين على تخيّل المرحلة المتقدمة من النجومية التي كان سيحصل عليها لولا المرض، يقول بلند: «يمكن مقارنته بكل سهولة بنجم برشلونة السابق أندريس انييستا، من حيث التمريرات والسهولة في المراوغة». بثلاثة قمصان لنادي أياكس، تحمل الرقم 34 على الظهر، كرّم نادي أياكس أمستردام لاعبه نوري. وضعت الإدارة هذه القمصان خارج ملعب يوهان كرويف، وعلى ظهر كل قميص كتبت كلمة، وعند وضع الكلمات في جملة، تتشكل عبارة «stay strong appie» أو «ابقَ قويا يا آبي».
«آبي»، هو اللقب أو الاسم الذي كان معروفاً به نوري، حيث أن زملاءه كانوا ينادونه بهذا الاسم، اختصاراً لكلمة «عبد الحق»، أي نوع من الألقاب التي يعطيها الأصدقاء لبعضهم البعض. في 2014، أعلنت صحيفة «غارديان» البريطانية قائمة أفضل 40 لاعباً شاباً وواعداً في العالم، وتضمّنت القائمة اسم عبد الحق نوري، الذي كان أداؤه لافتاً في الفترة التي قضاها مع الفريق الثاني لأياكس، حيث توّج بجائزة أفضل لاعب في دوري الدرجة الثانية الهولندية.
ترفض عائلة نوري الحديث عن وضعية ابنها، والحديث هنا عن أبيه وأمه المغربيين. بينما في الجهة المقابلة، وفي حديث له إلى شبكة «CNN» الأميركية، قال عبد الكريم نوري، وهو أخو عبد الحق، إن شقيقه يتقدّم شيئاً فشيئاً في مراحل العلاج. إذ قال: «عبد الحق يحرز تقدماً جيداً جداً في حالته الصحية، في السابق وتحديداً في حالة «الغيبوبة» التي تعرّض لها، لم يكن قادراً على تحريك وجهه ويديه، الآن يشير بإصبعه ويفتح عينيه في بعض الأحيان، وكأنه يفهم ما نقوله له ويرد علينا بكل ما أوتي من قوّة، والتي تتمثّل بتحريك جزء من جسمه». بطبيعة الحال، لا يمكن إنكار صعوبة حالة «آبي»، ولكنها أيضاً في تحسن مستمر، إلا أن «تلف الدماغ» الذي تعرّض له، ليس من السهل أبداً الخروج منه بصورة كاملة، ومن الممكن أن يفتقد العالم موهبة، كان من المتوقع أن تكون من بين الأفضل.
لا يمكن إنكار، أن الجهاز الطبي في نادي أياكس أمستردام يتحمّل جزءاً من المسؤولية، فمن شاهد اللحظة التي سقط فيها نوري على أرضية الملعب، يستطيع أن يلاحظ تأخّر قدوم فريق الإسعافات الأولية للوقوف على وضع اللاعب، كما تأخر قدوم سيارة الإسعاف التي نقلته إلى المستشفى حينها.
يبقى نوري واحداً من بين عدد كبير من اللاعبين الذين مرّوا بمثل هذه التجارب، منهم من فقد حياته، ومنهم من قاوم واستعاد عافيته. «آبي» يقاوم المرض الآن، هو يتحسن تدريجياً رغم كل الإشاعات التي تخرج يومياً.
من الممكن أن يبتسم القدر، ويعود نوري للحياة مرّة أخرى، ولكن، ما هو مؤكّد، أن نوري لن يعود ذلك اللاعب الواعد الذي عرفته جماهير أياكس، وربما وفي حالة استعادته لعافيته، لن تلمس قدماه «محبوبته» من جديد.