بين عامي 1989 و1991 فازت البرتغال مرتين بلقب كأس العالم للشباب. في تلك الفترة شهد العالم ولادة أسماء مهمة في كرة القدم، منها من حمل الكرة الذهبية مثل لويس فيغو، ومنها من طبع الملاعب بطابعه الخاص، مثل روي كوستا. وقتذاك حُكي عن جيلٍ ذهبي للبرتغال، وعن ذهاب هذه البلاد نحو السيطرة على عالم اللعبة في الفترة المقبلة. هذا الحديث بقي حاضراً حتى عام 2006، لكن أقصى ما فعله المنتخب البرتغالي ووصل إليه، كان الدور نصف النهائي في نهائيات كأس العالم عامذاك، وقبلها نصف نهائي كأس أوروبا عام 2000، وطبعاً المباراة النهائية للبطولة القارية عام 2004، حيث كانت الخسارة أمام اليونان الخيبة الأكبر في تاريخ البلاد، لكونها استضافت البطولة على أرضها من دون أن تنجح في رفع الكأس الفضية.هذه الخسارة تحديداً أسقطت لقب الجيل الذهبي عن فيغو وزملائه، ونقلت الكلام عن مرحلة مجهولة سيدخلها البرتغاليون مع حامل الراية الجديد، أي كريستيانو رونالدو، إذ إن أسماءً أخرى اختفت أيضاً من الساحة، أمثال جواو بينتو وبدرو باوليتا ونونو غوميش وديكو وغيرهم. لكن الصورة عادت لتكون مشرقة مرة جديدة، بعدما قلب «السيليساو» الطاولة على الجميع وفاز بكأس أوروبا 2016.
الأكيد أن ما حصل لم يكن صدفة كتلك التي وضعت الدانمارك على عرش القارة عام 1992، أو على غرار ما حصل مع اليونان في 2004، وما فوز البرتغال بالنسخة الأولى من دوري الأمم الأوروبية إلا الدليل الساطع على ما سيأتي من كلامٍ حول الواقع المميّز للكرة البرتغالية، رغم عدم قدرة أنديتها على مقارعة أقرانها الكبار في «القارة العجوز»، وخصوصاً أنها تفقد نجومها دائماً لمصلحتهم.
تعدّ أكاديميات الاندية البرتغالية بين الأفضل في العالم


الواقع أن من تابع بطولات الفئات العمرية على الساحة الأوروبية في الأعوام القريبة الماضية، لا يمكن أن يُفاجأ بما تحققه البرتغال من إنجازاتٍ في الوقت الحالي. هناك، لم يكن المهم الفوز بالألقاب، بل كان الواضح أن مواهب جديدة أزهرت في الملاعب البرتغالية وتنتظر الانتقال إلى عالم النجومية في وقتٍ قريب. العودة إلى بطولة أوروبا للشباب العام الماضي، التي أحرزت لقبها البرتغال بعد فوز رائع على إيطاليا (4-3) في النهائي، تثبت صحة هذا الكلام، فهناك أطلت أسماء يتوقع أن يكون لها شأن كبير في المستقبل القريب، أمثال الهداف جواو «جوتا» فيليبي أو رونالدو الجديد بنظر الكثيرين، والمهاري الشبيه بكل أبناء جلدته من لاعبي الوسط فرانشيسكو ترينكاو، والمجتهدين في الوسط دومينغوز كوينا وفلورنتينو لويس، والظهير الأيسر الخطير روبن فيناغري، وصخرة الدفاع روبن دياس الذي شقّ طريقه إلى المنتخب الأول بعد دوره الكبير في فوز بنفيكا بلقب الدوري، تماماً كما فعل أهم موهبة برتغالية صاعدة في الوقت الحالي، أي جواو فيليكس (20 هدفاً في 43 مباراة هذا الموسم)، والذي تطارده أكبر أندية أوروبا.


كل هذه الأسماء تركت البرتغاليين في حالة اطمئنان لما سيكون عليه الحال بعد اعتزال رونالدو، وهو ما ترجم في كلام المدرب فرناندو سانتوس عقب التتويج بلقب دوري الأمم، حين قال: «الحقيقة أن هذا الفريق يمثّل المستقبل. إذا عدنا إلى عام 2016 سنجد أن بعض هؤلاء اللاعبين لم يكونوا في الفريق. إنها عملية استمرارية، وهذا يُظهر كمّ المواهب التي نملكها في بلادنا». وأضاف: «مستقبل الكرة البرتغالية يبدو مضموناً، لكننا نحتاج إلى الحفاظ على التوازن لأنهم يلعبون لأندية مختلفة تطبّق أساليب لعب مختلفة في كل أنحاء أوروبا».
كلامٌ واضح، إذ إن النظام العام في البرتغال التي تعتمده الأندية في إنتاج المواهب يبدو ناجحاً جداً، وهو ما جعل أندية المقدّمة، أي بنفيكا وسبورتينغ لشبونة وبورتو تكون في طليعة الأكاديميات حول العالم عند كل تصنيف على هذا الصعيد، فبدا النضوج التكتيكي على اللاعبين في سنٍّ مبكرة، وهو ما ظهر مثلاً في التطوّر السريع الذي أصاب لاعباً مثل برناردو سيلفا، الذي أصبح أحد أفضل لاعبي خط الوسط في العالم، ووصل إلى قمّة مستواه هذا الموسم مع مانشستر سيتي، وبدا الأفضل على الإطلاق في صفوف المنتخب البرتغالي أخيراً. هو الأفضل لأنه عرف كيفية ضبط خط الوسط وإبقائه في خدمة النجم الأول رونالدو، فظهر وكأنه المنفذ لما يطلبه سانتوس من أجل أن يؤمن أفضل الأجواء للهداف الكبير، ما خلق التوازن والفعالية في التشكيلة، وما سيجعل الكل يترقب البرتغال في كأس أوروبا 2020، حيث ستكون بلا شك في مقدّمة المرشحين للفوز باللقب.