عام 2011، ترأّس رجل الأعمال القطري ناصر الخليفي نادي باريس سان جيرمان، وجعله خلال سنواتٍ قليلة أحد أندية النخبة في أوروبا. فور استلامه المنصب، وعد ناصر الخليفي بجلب كأس «ذات الأذنين» إلى حديقة الأمراء خلال خمس سنوات. سيطرة شبه كاملة على الألقاب المحلية رفعت من أسهم النادي الفرنسي في بورصة الكرة المحلية، أما على الصعيد الأوروبي، فلا يزال سجلّ الباريسيين خالياً من أي إنجاز يذكر. مرّت السنوات الخمس ولا يزال النادي الباريسي عاجزاً عن بلوغ الأدوار المتقدّمة من بطولة دوري أبطال أوروبا على أقلّ تقدير. لتحقيق الهدف المنشود، اتّخذ الخليفي العديد من الإجراءات، غير أن النتائج لم تكن على قدر التطلّعات. بدأ الأمر باستقدام نجوم بارزين في عالم الكرة، كالسويدي زلاتان إيبراهيموفيتش، الإنكليزي ديفيد بيكهام والحارس الأسطورة جيان لويجي بوفون، الذين شكّلوا أداةً لجذب الأسماء اللامعة في عالم المستديرة، فوقّع كل من دي ماريا، نيمار دا سيلفا، كيليان مبابي وغيرهم الكثير من أصحاب الأسماء الرنّانة، غير أن سياسة البذخ المعتمدة لم تثمر أبداً، وربما كان التغيير الدائم في التشكيلة وتلبية متطلبات المدربين، واحداً من هذه الأسباب. تواتر العديد من المدرّبين على النادي الباريسي خلال السنوات الأخيرة لإضافة عنصر الخبرة، وفي محاولة لتحقيق البطولات الأوروبية، فجاء كل من كارلو أنشيلوتي، لوران بلان وأوناي إيمري، غير أن شيئاً لم يتغير.
بعد فشل سياستي البذخ باستقدام اللاعبين والمدربين، توجّهت إدارة النادي الباريسي إلى خطوة جديدة، مفادها التأسيس السليم من دون الاكتفاء بصرف الأموال بكثرة، فتمثّلت الخطوة الأولى في التوقيع مع توماس توخيل، مدرب بوروسيا دورتموند الألماني السابق.
كانت مهامّ توخيل محصورة في دورتموند على إعادة هيكلة الفريق من جديد، بعد الموسم الكارثي الذي عاشه «أسود الفيستيفال» مع يورغن كلوب موسم 2015/2016. لم يطالب المدرب الألماني بتحقيق الألقاب حينها، نظراً لتقليص ميزانية النادي إضافةً إلى وجود العملاق البافاري بايرن ميونخ. في باريس كان الوضع مختلفاً، وهو ما أفشل الموسم الأول لتوخيل. رغم تتويجه العام الماضي بلقب الدوري الفرنسي، إلا أن الخروج الأوروبي الباكر من دوري الأبطال شكّل فشلاً كبيراً للمدرب الألماني. خرج «بي اس جي» من دور الـ16 حينها على يد مانشستر يونايتد. سيناريو حزين عاشه أبناء عاصمة الأنوار حينه، فهم فازوا في الأولد ترافورد على مانشستر يونايتد ذهاباً بنتيجة (2-0)، ولكنهم خسروا في حديقة الأمراء بنتيجة (3-1)، ليتأهّل الإنكليز إلى ربع النهائي.
تعاقدت إدارة النادي مع لاعبين في المراكز التي تحتاج إلى تدعيم


على عكس المواسم الماضية، لم يشهد صيف باريس سان جيرمان البذخ في سوق الانتقالات، بل تم الاعتماد وللمرة الأولى على استقدام الأسماء حسب حاجة الفريق، لا حسب القيمة السوقية للاعبين. تمثّل النجاح الأبرز للإدارة في الحفاظ على نجمي الفريق كيليان مبابي ونيمار دا سيلفا. كان هذا الأخير محطّ اهتمام الصحافة الرياضية حول العالم، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى نادي برشلونة. العديد من الجلسات عُقدت بين ممثلي الناديين، غير أن إصرار النادي الباريسي على «مبلغ خرافي»، أو ربط بيع نيمار بمجيء بعض اللاعبين البارزين من النادي الكتالوني الى باريس، إضافة الى مبلغ مالي كبير، أفشل الصفقة، أو بالحد الأدنى جعلها تتأجّل حتى سوق الانتقالات المقبلة.
مع بقاء نيمار ومبابي حافظ باريس سان جيرمان على أبرز عناصر قوّته الهجومية، فتركّزت معظم عملية الترميم على استقدام لاعبين في خطّي الوسط والدفاع. بعد رحيل أدريان رابيو إلى نادي يوفنتوس الإيطالي، وقّع النادي الباريسي مع أندير هيريرا قادماً من مانشستر يونايتد في صفقة انتقال حرّ. لم يكن هيريرا اللاعب الوحيد القادم من إنكلترا، إذ جاء اللاعب السنغالي إدريسا غييه من نادي إيفرتون مقابل 30 مليون يورو. اللاعب الذي غاب عنه ضوء الصحافة الإنكليزية، توهّج في عاصمة الأنوار ليشكّل نقطة التوازن في وسط الفريق الباريسي. مع تقدّم المهاجم الأوروغواياني إيدينسون كافاني في العمر، استقدم «بي أس جي» المهاجم الأرجنتيني ماورو إيكاردي على سبيل الإعارة، بعد العديد من المشاكل التي حدثت أخيراً بينه وبين فريقه السابق إنتر ميلانو الإيطالي. جاء أيضاً بابلو سارابيا من إشبيلية مقابل 18 مليون يورو، ليقدم حلولاً إضافية للمدرب الألماني توماس توخيل على دكّة البدلاء. على صعيد الدفاع، تم التوقيع مع كلّ من الموهبة الفرنسية الصاعدة ديالو من دورتموند مقابل 32 مليون يورو، إضافةً إلى حارس ريال مدريد السابق كايلور نافاس.
صفقاتٌ كثيرة لم تتمّ الإضاءة عليها كثيراً، ولكنها أخرجت النادي الباريسي من النفق الأوروبي، بعد فوزه أمام ريال مدريد بثلاثية نظيفة إضافةً إلى الفوز على أرض غلطة ساراي بهدفٍ نظيف. صدارةٌ أوروبية للمجموعة الأولى إضافةً إلى صدارة الدوري الفرنسي تثبتان نجاح السياسة حتى الآن، بانتظار مباريات الفريق الأوروبية المقبلة. باريس سان جيرمان على الطريق الصحيح حتى الآن.