يُعد سيلفيو بيرلسكوني أحد أكبر حيتان السياسة والمال في إيطاليا، وقد لمع اسمه في المجال الرياضي من بوابة «إي سي ميلان» الذي امتلكه بينما كان النادي على وشك الإفلاس. ترأّس بيرلسكوني النادي اللومباردي في الفترة الممتدة بين عامَي 1986 و 2017، حصد الروسونيري خلالها 29 لقباً، بينها ثمانية ألقاب في الدوري الإيطالي وخمسة ألقاب في مسابقة دوري أبطال أوروبا. بعيداً عن النجاح الرياضي، خدم ميلان مصالح بيرلسكوني السياسية والاقتصادية، وهو ما قد يتكرر مع ناديه الجديد مونزا. عام 2018، أعلن بيرلسكوني عن عودته إلى عالم كرة القدم مرة أخرى، بعد تملّكه لنادي مونزا الناشط بدوري الدرجة الثالثة الإيطالية، وقد استعان بمديره التنفيذي أدريانو غالياني من أجل «بناء فريق جديد للمستقبل». غالياني الذي وُلد في مونزا، لم يكن راضياً على الإطلاق حين سماعه بأن عمله في أحد الأندية الإيطالية، ولا سيما على مقربةٍ جغرافيةٍ من ناديه السابق «إيه سي ميلان»، يمكن اعتباره «خيانة» للروسونيري، فخرج بتصريحٍ إلى وسائل الإعلام بعد إشرافه على مونزا قائلاً : «عام 1975 أصبحت من حاملي الأسهم في مونزا، لقد شكّل هذا النادي جزءاً مهماً من حياتي. بقيتُ في مونزا لـ10 أعوام حتى عام 1985، حينها استقلت وانتقلت إلى ميلان مع بيرلسكوني إلى أن تم بيع النادي عام 2017. انتقالي إلى مونزا الآن ليس خيانة لميلان، لقد بدأت في مونزا ثم انتقلت إلى ميلان على سبيل الإعارة لـ31 عاماً».
من البديهي أن يحمل المشروع الجديد أهدافاً اقتصادية، فسرعان ما كثر الحديث في المدينة عن مشروع استثماري ضخم يخطط له بيرلسكوني لبناء مدينة رياضية تابعة للفريق، بملحقاتها من أسواقٍ تجارية وساحات تدرّ عليه أموالاً طائلة. لكن، وبحسب السائد في الوسط الإيطالي، يحمل المشروع الرياضي الجديد لبيرلسكوني أهدافاً سياسية خفية من أجل العودة إلى الساحة السياسية وجمع الأصوات في أي انتخابات مقبلة، في ظل إلقاء خبرائه اللوم على بيع الروسونيري كأحد أسباب تراجع أسهمه السياسية.
يحمل المشروع الرياضي الجديد لبيرلسكوني أهدافاً سياسية خفيّة من أجل العودة إلى الواجهة


بيرلسكوني يريد تلميع صورته للعودة إلى الواجهة. يعكسُ ذلك ربما الميثاق الأخلاقي «الفاضل» الذي وعد بأنه سيبني عليه الفريق، حيث قال فور حصوله على أسهم مونزا: «لديّ برنامج معيّن لمونزا في عقلي، سيكون فريقاً شاباً ومكوّناً من اللاعبين الإيطاليين. شعرهم يجب أن يكون مهذباً. لا لحية، لا وشوم، لا أقراط أيضاً في الأذن. سيكون الملعب مثالاً للعدل. سيعتذر اللاعبون للخصم إن ارتكبوا مخالفة، وسيعاملون الحكم بشكلٍ لائق، وإذا طلب منهم أحد توقيع تذكاري لن يقوموا برسمة كبيرة، فقط سيكتبون أسماءهم، وسيظهرون دائماً بشكلٍ لائق من ناحية الملبس. أريد شيئاً مختلفاً عن كرة القدم الحالية». هذا طبعاً شيء من جنون بيرلسكوني.
مع نهاية الموسم الماضي، صعد مونزا إلى الدرجة الثانية من الدوري الإيطالي لكرة القدم. وكان مونزا مبتعداً في صدارة دوري الدرجة الثالثة عندما توقفت البطولة في أوائل مارس/آذار بسبب تفشي فيروس كورونا، إلى أن صادق الاتحاد الإيطالي على صعود المتصدّر مونزا إلى الدرجة الثانية. هكذا، أصبح حلم بيرلسكوني أقرب للواقع، حيث سبق له أن صرّح بأنه يطمح إلى الصعود بمونزا إلى الدرجة الأولى خلال ثلاثة مواسم.
تاريخٌ كبير كتبه بيرلسكوني وغالياني في ميلان بسبب حسن الإدارة والتخطيط، وهما في صدد تحدٍّ كبيرٍ آخر في مونزا. مع تلاشي ثرواته السياسية وتراجع صحته بشكل متزايد خاصةً بعد إصابته بفيروس كورونا، سيسعى بيرلسكوني جاهداً لإصعاد مونزا إلى دوري الدرجة الأولى للمرة الأولى في تاريخه، ليكون بذلك النجاح الخامس في حياته، بعد العقارات والإعلام وميلان والسياسة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا