خلال السنوات الماضية كان من السهل حصر اللقب بين ثلاثة فرق إسبانية، وذلك استناداً إلى اتساع الهوّتين الفنية والمالية بينها وبين الآخرين. ومنذ موسم 2004-2005، سيطرت فرق ريال مدريد، برشلونة وأتلتيكو مدريد على بطولة «لا ليغا» بواقع 17 لقباً في ما بينها، ما جعل من الليغا سباقاً ثلاثياً لا رابع فيه.
ورغم السيطرة المطلقة «للعمالقة» الثلاثة، «تمرّدت» بعض الفرق هذا الموسم لتعتلي القسم الأمامي من الجدول على حساب أتلتيكو مدريد وبرشلونة. الصدمة التي صعقت كرة القدم إثر تفشي فيروس كورونا، أعادت خلط الأوراق وقلبت موازين القوى لتتراجع بعض الفرق مقابل استمرار أخرى بنسقها المرتفع. ومن بين الفرق التي شهدت تراجعاً «مهولاً» هذا الموسم، يبرز برشلونة، صاحب المركز السابع في الدوري الإسباني الممتاز حالياً.
لم يخفَ على أحد «احتمال» تراجع برشلونة بعد مغادرة نجمه الأرجنتيني ليونيل ميسي. أنصار الفريق الكاتالوني، قبل النُّقاد، كانوا على درايةٍ مسبقة بالعاصفة المرتقبة. سقوط برشلونة المدوّي ليس مفاجئاً، ميسي نفسه كان ينتقد الإدارة خلال سنواته الأخيرة له في ملعب «كامب نو»، مطالباً إياها بالتدعيم المناسب للمنظومة. ما غفل عنه الجميع هو تردي الأوضاع المالية داخل النادي، والتي فُضحت إثر تداعيات كورونا، وهو ما أدى إلى رحيل ميسي ومعه آخرون. هكذا، وجد النادي الكاتالوني نفسه مرهوناً لسوء الإدارة، ما جعله عاجزاً عن تعويض غياب ميسي أو إعادة الهيكلة بالشكل الصحيح على أقل تقدير. وفي ظل تردي الأوضاع، ارتأت الإدارة الجديدة بقيادة رئيس النادي الجديد خوان لابورتا أن بداية الخروج من الأزمة تكمن بإقالة المدرب السابق رونالد كومان. هكذا، تمّ التخلي عن المدرب الهولندي، واستُبدل في ما بعد بتشافي هيرنانديز الذي يحظى بدعمٍ كاملٍ من الإدارة والجمهور. يُنظر إلى تشافي على أنه المخلّص نظراً إلى معرفته المسبقة بفلسفة النادي عندما كان لاعباً للفريق، وقد بعثت عودته حياةً جديدة وتفاؤلاً جديداً في برشلونة بعد عامين من التشاؤم.

تشافي وزميله السابق راكيتيتش (أ ف ب)

ورغم شحّ الموارد، أظهر تشافي شيئاً من سحر «البلاوغرانا» خلال المباريات السابقة لكنّ النتائج ظلت متقلّبة. أخيراً، أظهرت الإدارة إيمانها المطلق بالمدرب الجديد، عبر إبرام صفقة جاءت بطلبٍ خاص من تشافي. ورغم حاجة الفريق إلى أسماءٍ مختلفة في «أغلب» الصفوف، أصرّ تشافي على استقدام اللاعب فيران توريس من مانشستر سيتي الإنكليزي بهدف جلب التوازن إلى خط المقدمة.
غادر فيران توريس فالنسيا إلى مانشستر سيتي في صيف عام 2020. استقرّ الشاب الإسباني بسرعة في ملعب الاتحاد، لكنه وجد صعوبة في اقتحام فريق المدرب الإسباني بيب غوارديولا. على الرغم من ذلك، سجّل توريس 13 هدفاً في أول موسم له مع السيتي، كمعدل مرتفع للاعب شاب في دوري جديد وقوي مثل «البريميرليغ».
فاز فيران بالدوري الإنكليزي وكأس الرابطة خلال موسمه الأول مع السيتي، قبل أن يثبت أنه أحد أهم عناصر المنتخب الإسباني في يورو 2020. ومع تعرّضه لإصابةٍ أثناء تمثيل إسبانيا خلال دوري الأمم إضافةً إلى ضغط السيتي بشدة للتعاقد مع المهاجم هاري كاين في الصيف، قلّ مردود توريس ما جعله ينظر إلى خياراتٍ جديدة. وفي ظل إصرار تشافي على استقدام اليافع الإسباني، إضافةً إلى عرض برشلونة المغري والذي قُدّر بضعف المبلغ الذي دفعه مانشستر سيتي لفالنسيا، جاء توريس إلى الكامب نو في خطوةٍ أكدت إيمان تشافي باللاعبين الشباب، كما عكست مؤشراً إلى تضاؤل المشاكل المالية، ولو نسبياً.
يحتل إشبيلية المركز الثاني في جدول الترتيب ويأتي خلفه ريال بيتيس ورايو فايكانو توالياً

سيعتلي توريس رأس الهرم الهجومي بمساعدة إنسو فاتي وربما عثمان ديمبيلي عند توفره، وهو ما يجعل هجوم برشلونة، على الورق، متوازناً وقوياً. يبقى الفريق يعاني من مشاكل مختلفة في خطَّي الوسط والدفاع، بانتظار استكمال نشاط الإدارة خلال سوقَي الانتقالات المقبلين. يبدو الدوري بعيد المنال بالنظر إلى موقع الفريق وإمكاناته مقارنةً بأندية القمة، ما يجعل فوز برشلونة ببطولة الدوري الأوروبي أو إحدى الكأسين إنجازاً يعزز الثقة في مشروع تشافي.
على الجهة المقابلة، يتربّع المنافس التقليدي للنادي الكاتالوني ريال مدريد على صدارة الجدول كبطل الشتاء، وهو مرشح فوق العادة بحسب النقاد للفوز بلقب الدوري. يسعى المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي لأن يصبح أول مدرب يفوز بألقاب الدوريات في كل البطولات الخمس الكبرى في أوروبا، بعد إنهائه المواسم السابقة متصدّراً رفقة إي سي ميلان الايطالي، تشيلسي الإنكليزي، باريس سان جيرمان الفرنسي وبايرن ميونيخ الألماني. أما بالنسبة إلى أتلتيكو مدريد فهو يبدو تائهاً في المركز الخامس، إذ فشل بطل النسخة الماضية في الحفاظ على الاستقرار الفني حيث يظهر جلياً عدم توازن المنظومة خاصةً في خط المقدمة.

مفاجآت الموسم
قدّم إشبيلية أوراق اعتماده في السنوات الماضية كأحد الفرق التي تنافس على المقعد الرابع في الدوري الإسباني، كما أنه برز على الساحة الأوروبية من خلال سيطرته شبه المطلقة على الدوري الأوروبي «يوروبا ليغ». ما كان لافتاً، إنهاؤه النصف الأول من الدوري هذا الموسم في مركز الوصافة.
من جهته، رفع ريال بيتيس التحدي بوجه باقي الفرق للمنافسة على الصدارة، وذلك بفعل جهود الجميع على رأسهم المدرب مانويل بيليغريني. يمتلك الفريق منظومة شبه كاملة وبأقل النفقات الممكنة، يبرز منها خط الوسط الذي يُعد الأفضل في الدوري الإسباني هذا الموسم. يستهدف الفريق المضي قدماً في بطولة الدوري الأوروبي بالإضافة إلى السعي للبقاء في المركز الثالث محلياً والتأهل إلى دوري أبطال أوروبا.
مفاجآت الموسم لا تنحصر بإشبيلية وبيتيس، إذ من المرجّح أن يشهد عام 2022 على بروز رايو فايكانو. يحتل النادي المدريدي المركز الرابع مقدّماً أداءً لافتاً، وإذا استمر على نسقه الثابت، ستكون كرة القدم الأوروبية احتمالاً حقيقياً في العام المقبل.