تغيّرات إدارية كبيرة عاشها نادي ميلان الإيطالي خلال العقد الماضي، بدءاً من نقل ملكيّته من الرئيس التاريخي سيلفيو بيرلسكوني إلى مجموعة مستثمرين صينيّين، وصولاً إلى صندوق إليوت الأميركي الذي يملك النادي حالياً. في البداية أدّت سياسة التقشّف التي انتهجها بيرلسكوني وصديقه ـ المدير التنفيذي ـ أدريانو غالياني إلى تأسيس مسار السقوط للنادي. ورغم محاولة تقليص النّفقات منذ ما بعد عام 2007 وحتّى عام 2013، تجاوزت التكاليف في ذلك الوقت المداخيل بسبب نتائج الفريق المتخبّطة. وفي ظل عدم وجود أي توازن واضح مع قوانين اللّعب المالي النظيف، تعرّض النادي لخسائر فادحة.
جاءت الإدارة الصينية عام 2017 متّخذةً دور المنقذ، لكنها أدخلت الفريق في دوّامة جديدة من المتاعب. تمّ صرف أكثر من 220 مليون يورو في سوق انتقالات واحد على صفقات عشوائيّة دون تحقيق النتائج المرجوّة، الأمر الذي وضع النادي في مركز لا يُحسد عليه.
وفي ظلّ تدهور الأوضاع الماليّة والفنيّة داخل النادي، سيطر صندوق إليوت على ميلان عام 2018 مستغلّاً شرطاً في عقد المالك الصيني يونغ هونغ لي، حيث انتقلت الملكية إلى الصندوق الأميركي بعد تخلّف المالك السابق عن سداد قرض مستحقّ عليه لمصلحة إليوت. هنا، بدأت عمليّة الترميم تدريجيّاً. لا وعود كاذبة ولا أموال تُدرّ بذخاً لإسكات الجماهير. مجرّد سياسات صارمة لإصلاح النادي بهدف بيعه في المستقبل مقابل أموال مضاعفة.
بدأ أول معالم النجاح المالي في الحقبة الأميركية عبر اتفاق الصندوق مع محكمة التحكيم الرياضي CAS على شطب خسائر النادي المالية في سنوات بيرلسكوني الأخيرة وسنة الصينيّين الوحيدة. مقابل ذلك، وافق ميلان على عدم المشاركة في الدوري الأوروبي لمدة موسم واحد مع تعهّد من قبل المُلّاك الأميركيين بأن يتم العمل على تخفيض التكاليف وموازنتها مع المداخيل، كما يجب أن يحقّق النادي الاستدامة المالية في أقرب وقت ممكن، وهي التي تضمن استمراريّته لفترة طويلة، وهذا ما يحدث اليوم. فريق جيّد على أرض الملعب وإدارة ممتازة خلف الأسوار يبشّران بحقبة مشرقة لـ«الروسونيري».
كان لافتاً تحسّن المنظومة مع المدرّب الحالي ستيفانو بيولي دون البذخ في أسواق الانتقالات، خاصةً بعد أن سجّلت الميزانية العمومية لعام 2020 خسارة بقيمة 192 مليون يورو إثر تداعيات كورونا. وبهدف الوصول إلى الاستقرار، قام صندوق إليوت بتخفيض التّكاليف تدريجياً، وموازنتها مع المداخيل أملاً بتعزيز قوّة النادي تجاريّاً وتسويقيّاً وجذب المستثمرين مستقبلاً.
زادت الإيرادات في النادي بنحو 69 مليون يورو أي ما نسبته 40%


وفي هذا الإطار تميّزت إدارة غازيديس وباولوم الديني باتّباعها سياسة صارمة في ما يتعلّق بخفض سقف رواتب اللّاعبين، والتّركيز على تطوير المواهب الشابة أو اقتناص بعض الأسماء مقابل مبالغ مقبولة، كما الحال في صفقة توموري، الأمر الذي حسّن من الوضع المالي.
أرقام صادمة
وبلغة الأرقام، انخفضت خسائر ميلان قبل الضرائب بأكثر من النصف، أي من 192 مليون يورو إلى 92 مليون يورو بحسب تقرير نشره موقع Swiss Ramble المختصّ بالإحصاءات، وبالتالي تحسّنت الميزانيّة بمقدار 100 مليون يورو. كان ذلك بفعل العديد من العوامل، حيث زادت الإيرادات نحو 69 مليون يورو (40%) من 172 مليون يورو إلى 241 مليون يورو، كما ارتفعت أرباح مبيعات اللّاعبين بمقدار 3 ملايين يورو، ووصلت إلى 18 مليون يورو، بينما انخفضت نفقات التشغيل بمقدار 30 مليون يورو (8%).
بالنسبة إلى عائدات النّقل والعلامات التجارية، ارتفع دخل ميلان الإذاعي بمقدار 75 مليون يورو (118%)، وتحديداً من 63 مليون يورو إلى 138 مليون يورو، بما في ذلك الإيرادات المؤجّلة من حسابات 2019/2020 بالإضافة إلى العودة للدوري الأوروبي.
مقابل ذلك، كان هناك بعض المضاعفات في التكاليف إذ ارتفعت فاتورة الأجور في ميلان بمقدار 9 ملايين يورو (5%) لتصل إلى 170 مليون يورو، بينما ارتفعت المصاريف الأخرى بمقدار 8 ملايين يورو (10%) لتصل إلى 86 مليون يورو.
كان لافتاً أيضاً عدم استفادة ميلان من بيع اللاعبين مقارنةً بالأندية الإيطالية الأخرى، حيث تمّ بيع لاعب واحد فقط بربح يزيد عن 20 مليون يورو في السنوات الأربع الماضية.
عموماً، تحسّن الوضع المالي والرياضي بشكل واضح في ميلان خلال الأعوام القليلة الماضية بفعل تضافر جهود الجميع في حقبة صندوق إليوت. لا أحد أكبر من النادي والكلّ يعمل على تصحيح الأوضاع.
ويكمن الهدف بتأسيس فريق شاب لديه عقلية الانتصارات بأقلّ التكاليف الممكنة لتصحيح الأمور وبيع النادي في المستقبل. ورغم الوصول إلى مرحلة الاستقرار الجزئي، لا يزال المشوار طويلاً أمام المسؤولين، لكنّ النادي على الطريق الصحيح.