بعد معاناتها من خسائر مالية كانت الأسوأ في تاريخها بفعل الإغلاق الطويل الذي فرضه تفشّي وباء «كورونا» في عام 2019، عرفت الأندية الأوروبية نمواً مالياً هائلاً مع إغلاق صفحة عام 2022.واللافت أنه رغم ارتفاع نسب المشاهدة التلفزيونية خلال فترة «كورونا» بحُكم عدم قدرة الأندية على فتح أبواب ملاعبها، وبالتالي التزام المشجّعين بالبقاء في منازلهم ومتابعة المباريات عبر الشاشات، فإن أبرز العائدات جاءت من النقل التلفزيوني، التي أُضيفت إلى مبالغ هائلة حصلت عليها خلال أيام المباريات بعد عودة الجمهور إلى المدرجات.

أندية إنكلترا تنتعش
دراسة فرنسية خاصة حصلت «الأخبار» على نسخةٍ منها فنّدت ما جنته الأندية من أرباحٍ في العام الماضي. وما ميّز هذه الدراسة هو أنها كشفت عن مفاجآت في ما خصّ الأندية الأوائل على هذا الصعيد، وأيضاً عن فوارق كبيرة بين الأندية الكبرى ونظيرتها الصغرى.
وتصدّر ليفربول الإنكليزي قائمة الأندية الأعلى حصولاً على عائدات النقل التلفزيوني، بينما كان باريس سان جيرمان الأكثر ربحاً من أيام إقامة المباريات والعائدات التجارية.
ناديان من دون شك يغيّران حالياً تاريخ المنافسة الاقتصادية في عالم كرة القدم، حيث اعتادت أندية مثل مانشستر يونايتد الإنكليزي، بايرن ميونيخ الألماني، ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين، الوقوف في المراكز الأولى لأقوى الأندية اقتصادياً وأكثرها ربحاً مالياً.
ففي عام 2022 حصل ليفربول على 314 مليون يورو من عائدات النقل، وذلك بزيادة وصلت إلى 20 مليوناً عن مواطنه مانشستر سيتي، الذي وبحسب دراسة للشركة المالية المعروفة «ديلويت» نشرتها مطلع السنة الحالية، كان الأكثر تحصيلاً للأموال على مدار موسم 2021-2022 بمجموع 731 مليون يورو، وبفارق 30 مليوناً عن ليفربول، و18 مليوناً عن ريال مدريد. وكان من الطبيعي أن تسيطر الأندية الإنكليزية على المراكز الأولى على اللائحة، إذ إن عائدات النقل التلفزيوني لـ«البريميرليغ» هي الأعلى في عالم الكرة مقارنةً بكل البطولات، فحصل تشلسي مثلاً على 277 مليون يورو مقابل 254 مليوناً لمانشستر يونايتد، ما يفسّر في مكانٍ ما النشاط القوي للفريقين في سوق الانتقالات هذا الموسم.

الـ PSG ملك المباريات
في المقابل، ورغم عدم تمكنه من الفوز بأي لقبٍ أوروبي حتى الآن، ارتفعت جماهيرية نادي باريس سان جيرمان، وهو أمر طبيعي بحُكم ضمّه لكوكبة من النجوم، على رأسهم كيليان مبابي، الأرجنتيني ليونيل ميسي، والبرازيلي نيمار.
هذا الأمر دفع الكثيرين إلى السعي وراء تذاكر مباريات بطل فرنسا وشراء كل ما يرتبط بالنادي الباريسي، ليكون بالتالي الأكثر جنياً للأموال من العائدات المختلفة طوال عام 2022، بمجموعٍ وصل إلى 383 مليون يورو، وبفارق 99 مليوناً عن السيتي، فكان الأقرب إليه بايرن ميونيخ بطل ألمانيا بـ 378 مليوناً.
وتُبيّن الدراسة الفرنسية أن أيام إقامة المباريات أفرزت ربحاً بقيمة 132 مليون يورو للفريق الفرنسي، وهو أكثر من ضعف ما جناه السيتي (64 مليوناً) في نفس الحالة ليحتل المركز العاشر على اللائحة، بينما كان جاره اليونايتد الأقرب للمتصدّر على هذا الصعيد بـ 126 مليون يورو من العائدات الجماهيرية.
3.6 مليارات يورو كان مجموع عائدات أندية إنكلترا من الموسم الماضي


وعلى الرغم من الاختلافات في ما خصّ عائدات النقل، وأيام المباريات، والعائدات التجارية، تبقى أندية الدوري الإنكليزي الممتاز الأكثر تحقيقاً للأرباح في عالم كرة القدم، إذ بحسب دراسة «ديلويت»، ستة منها تقف بين العشرة الأوائل.
وهذه المسألة ليست بالغريبة، إذ إلى جانب مانشستر سيتي، ريال مدريد وليفربول، حقّق مانشستر يونايتد مثلاً نمواً اقتصادياً هائلاً بمجموع عائداتٍ كاملة وصلت إلى 688.6 مليون يورو في الموسم الماضي، مقابل 568.3 مليوناً لتشلسي الذي يقف خلف باريس سان جيرمان، بايرن ميونيخ وبرشلونة.
كذلك، شهدت لائحة العشرة الأوائل حضوراً لافتاً لناديين لندنيين هما توتنهام هوتسبر وآرسنال بعائداتٍ بلغت 523 مليون يورو بالنسبة إلى الأول، و433.5 مليوناً بالنسبة إلى الثاني، ما يعني أن مجموع عائدات الأندية الإنكليزية الستة وصلت إلى مبلغٍ هائل يُقدّر بـ 3.6 مليارات يورو في العام الماضي.
باختصار كرة القدم باتت صناعة حقيقية، وما تفوّق الإنكليز إلا من خلال تقديمهم منتجاً جذاباً وفق آلياتٍ تسويقية تجعل الكل مرتبطاً بحضور مباريات الدوري الإنكليزي، بغضّ النظر إذا ما تواجد فريقه المفضّل خارج إنكلترا.



تضخّم هائل في أسعار اللاعبين
في موازاة عودة الأندية إلى جني الأرباح الطائلة، شهد سوق الانتقالات تضخماً كبيراً على صعيد أسعار اللاعبين، إذ خلال عقدٍ من الزمن ارتفعت الأسعار بنسبة 9%، لكنّ الآن الوضع مختلف لأن لاعباً كان يُقدّر سعره بمليون يورو في موسم 2013-2014 بات يساوي أي لاعب بقيمته الفنية اليوم 2.16 مليون يورو أي أن نسبة التضخم زادت إلى 116%.
واللافت أن أسعار اللاعبين الذين تمّ استقطابهم من قبل الأندية الإنكليزية ارتفعت أكثر من أي لاعبٍ انتقل إلى بطولات أخرى، إذ بحسب دراسات مالية زادت أسعار اللاعبين القادمين إلى إنكلترا بنسبة 12.2% سنوياً.
أما أكثر المراكز التي شهدت تضخماً فهي قلب الدفاع (+12.5%)، الظهيران (11.1%)، إضافةً إلى اللاعبين الذين يبلغون 21 سنة أو أقل (12.7%).
وتؤكد الدراسات أن التضخم الذي بدأ منذ سنوات عاد إلى مساره التصاعدي مع إغلاق صفحة جائحة «كورونا»، فسجّل أرقاماً قياسية، بحيث وصلت قيمة الاستثمارات في السوق إلى 9.12 مليارات يورو، وقد بدا هذا الأمر جليّاً من خلال الرقم غير المسبوق الذي عرفته عمليات البيع والشراء خلال «الميركاتو» الشتوي الأخير.