لا يعرف معنى تمثيل الوطن في المحافل الدولية إلا من اختبر فعلاً هذا الشعور. ارتداء ذاك القميص الأحمر أو أي قميص يزيّنه شعار الأرزة المحاطة بالدائرة الحمراء، يعكس شعوراً مختلفاً عند مرتديه. هو شعور بالفخر، وشعور بالتميّز، على اعتبار أنه من بين كل الذين ينشطون في نفس الملاعب كان هو أحد المختارين القلائل لحمل ألوان الوطن. الشعور يصبح أجمل عند الوقوف قبل بداية أي مباراة لسماع النشيد الوطني، الذي يعزّز بكلماته ولحنه ذاك الشعور المميز، ويعطي للذين يرددون هذه الكلمات دافعاً رهيباً لعدم الإبخال بأي نقطة عرق بهدف إعلاء شأن الوطن.
هذا الشعور بالفخر لتمثيل منتخب الوطن، كان بالإمكان لمسه في كلمات النجمين السابقين لمنتخب لبنان لكرة القدم جمال طه وموسى حجيج، والحاليين يوسف محمد ورضا عنتر، خلال حفل التكريم الخاص الذي أقامه رئيس الاتحاد اللبناني هاشم حيدر مطلع الأسبوع الماضي.
هذا التكريم الذي فتح الباب على كلامٍ كثير كان يدور في أروقة الفندق المضيف، منه أسئلة للصحافيين عمّا اعتبره البعض خطوة متأخرة نسبياً بالنسبة إلى كلٍّ من طه وحجيج. أضف إليه كلاماً لعددٍ من الناشطين عن وجوب تكريم أسماء أخرى حملت منتخب الوطن على أكتافها في مرحلةٍ ما، قبل وإلى جانب النجوم المكرّمين.
لكن في الحالتين، يمكن إعطاء جواب واحد عن كل الأسئلة: مجرد اللعب للمنتخب وارتداء ألوانه هو تكريم بحدّ ذاته لأي لاعب مهما كان اسمه كبيراً.
نجومنا الاربعة البارعون في التعبير عمّا يختلج في نفوسهم، وخصوصاً في تلك المناسبة المميزة، رددوا هذه الكلمات أمام عدسات كاميرات التلفزيونات. هم أصابوا فعلاً في أجوبتهم، التي يمكن تقديمها درساً للوافدين الجدد على الساحة الكروية، والذين يُنتظر أن يشقوا طريقهم مستقبلاً باتجاه المنتخب الوطني، بحيث لا يفترض أن يفكروا إلا بتكريم أنفسهم عبر ملاقاة الدعوة من دون أي تردد أو تفكير.
الحقيقة أنه مهما أصاب اللاعبون إنجازات مع أنديتهم، يبقَ أكثرها ثقلاً وأكثرها خلوداً في الأذهان، تلك التي يحققونها مع المنتخب، إذ إن لاعبين مثل وارطان غازاريان مثلاً، لم يرفعوا يوماً أي لقبٍ في البطولة المحلية، لكن ما فعلوه عند ارتدائهم القميص الأحمر يتخطى حجمه أي لقبٍ، فهم في نهاية المطاف لم يصنعوا فرحاً لقسمٍ محدد من جماهير اللعبة، بل لكل الجماهير المنتشرين على مساحة البلاد.
دعوةٌ وتوضيح اليوم للاعبينا اللبنانيين الذين يظنون أن مصلحتهم هي حيث يتلقون راتباً شهرياً، بأنهم لن يُصنّفوا بين كبار اللعبة إلا عند وقوفهم على الساحة الدولية بقميص المنتخب. وهذا الأمر يمكن أخذ أمثلة عليه من الملاعب الأوروبية والعالمية حيث يلتحق أكبر النجوم بمنتخبات بلدانهم من دون قيد أو شرط، ففي اللعب مع المنتخب قيمة إضافية للاعب بحدّ ذاته، لا بل إن وكلاء الأعمال يعرفون هذا الأمر أكثر من غيرهم عند تحديدهم قيمة اللاعبين، إذ يفوق اللاعب الدولي منهم قيمةً ذاك الذي لم يُستدعَ إلى المنتخب يوماً. وفي هذا السياق حُكي كثيرٌ في الأشهر الماضية عن أن النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، مهما حقق من ألقاب فردية أو ألقابٍ مع ناديه، فإنه لن يدخل كتب الأساطير الكروية إلا بحمل منتخب بلاده إلى الذهب...
تكريم طه وحجيج لم يتأخر لأنهما كرّما نفسيهما أصلاً عندما دافعا عن ألوان الوطن بكل ما يملكان من قدرات. وتكريم «دودو» وعنتر سيستمر انطلاقاً من كل مناسبة يُستدعَيان فيها للالتحاق بصفوف المنتخب الوطني.