تُرى ماذا يفعل ميكايل شوماخر في هذ الأثناء في منزله؟ هل فعلاً لا يقدر على المشي؟ هل حقاً لا يستطيع الكلام؟ هل يبتسم؟ هل تعرّف إلى زوجته كورينا وأولاده؟ هل احتفل بالأعياد؟ هل أطفأ شمعة عيد مولده السادس والأربعين الذي صادف أول من أمس؟ تُرى بماذا يفكر الآن؟
منذ خروجه من غيبوبة طويلة بعد الحادث الأليم قبل يومين على انتهاء عام 2013، لا يزال الكتمان إزاء حال «أسطورة» الفورمولا 1 هو الطاغي. تردد عبر أصدقاء مقرّبين من البطل الألماني أنه لا يستطيع الكلام ولا المشي. أما الناطقة الإعلامية باسمه، سابين كيم، وزوجته كورينا، فتكتفيان كل مدة بكلمات مقتضبة لا تفسر حالة «شومي» ولا توضح حقيقة صورته، وآخرها أنه بحاجة إلى «كفاح طويل من اجل الشفاء».
إنها كلمات يُفهم منها فقط أن بطلنا الأسطوري لا يزال يتنفس وعلى قيد الحياة، أما كيف هي حالته الصحية ووعيه وإدراكه، فهذا ما لا يزال محجوباً عن المعرفة.
ما بات مؤكداً أن شوماخر يعيش حياة منفصلة عن حياتنا. هكذا، ترك لنا هذا البطل ذاكرة مليئة بالأحداث واللحظات التي لا تُنسى، وسيلاً من المشاعر، ومضى إلى عالمه حيث اللامكان واللا زمان.
اعتاد شوماخر، بسرعته الخارقة، أن يغافلنا عندما نلهو لدقائق عن متابعتنا لسباقاته ليجتاز الخصوم الواحد تلو الآخر، أو ليصل إلى خط النهاية ويقف على قمة منصة التتويج. هناك، حيث كان يقفز قفزته الشهيرة بعد تراقصه وهو في قمة فرحته على أنغام النشيد الوطني الايطالي لفريقه الأشهر في مسيرته فيراري. هناك حيث كان يحتضنه بحنو الأب رئيس الفريق السابق، الفرنسي جان تود. هناك حيث كان يهتف «التيفوزي» باسمه، لكن «شومي» غافلنا هذه المرة ومضى إلى حيث لا نريد، إلى حيث التناقض المؤلم.
إذ كيف لعقولنا أن تستوعب فكرة أن شوماخر لا يقوى على الحركة، هو الذي كان يطير كشعلة تختزن ما في الرياضة من حماسة؟ كيف لنا أن نتخيل هذا البطل طريح الفراش أو على كرسي نقال؟ كيف لنا أن نحتمل كل هذا الصمت لمن كان يزرع الصخب في الحلبات؟
كيف لنا أن نطيق صبراً حتى يعود إلينا شوماخر معافى ويزرع ابتسامته الشهيرة على صفحات الجرائد وفي الشاشات، حتى تستعيد الفورمولا 1 والرياضة بهجتها التي تنتفي عندما نقع على خبر يتحدث عن حالة هذا البطل، او على صورة من الأرشيف يرتدي فيها خوذته الشهيرة أو يقفز فرحاً في الهواء؟
... ميكايل شوماخر لقد أطلت البعاد والغياب. الكل في انتظارك حتى تجتاز المصاعب التي لم تعص عليك في أقوى السباقات. الكل في انتظارك حتى تقوم من محنتك وتنفض عنك غبار الآلام والعذابات. الكل في انتظارك حتى تطفىء بنفسك شمعة عيد مولدك المقبل، حتى يقول العالم كله لك: كل عام وأنت سالم.