غالباً ما مثلت الرياضة والملاعب الرياضية صورةً مصغّرة عن المجتمع بإيجابياته وسلبياته؛ ومتنفّساً، يعمد الكثير من المشجعين والرياضيين على حدٍّ سواء إلى استغلاله للتعبير عن آرائهم المتعلقة بالمشاكل السياسية أو الاجتماعية، بسبب ما تناله من تغطية إعلامية. لهذه الأسباب، كان نجم شيكاغو بولز الأميركي لكرة السلة ديريك روز، آخر من اختار نقل قضيته إلى الملاعب، حيث ارتدى قبل بدء مباراة فريقه ضد غولدن ستايت ووريورز في الـ «أن بي آي»، قميصاً أسود كُتبت عليه عبارة «لا أستطيع التنفس».
وهذه العبارة هي آخر ما قاله الشاب «الأسود» إيريك غارنر قبل وفاته على يد الشرطة الأميركية شهر تموز الماضي.
وفاة غارنر كانت شرارةً لاحتجاجات عارمة قادتها الأقليات العرقية في الولايات المتحدة ضد التمييز العنصري الذي تتعرض له على يد الشرطة، وقد نجح روز في لفت الأنظار إلى قضيته وفي الحصول على التعاطف الإعلامي، حيث أثنت وسائل الإعلام الأميركية على خطوته تلك، ما دفع بلاعبين آخرين إلى ارتداء القمصان نفسها، وعلى رأسهم نجم كليفلاند كافالييرز ليبرون جيمس ونجم لوس أنجلس لايكرز كوبي براينت، اللذان حثا زملائهما في فريقيهما على القيام بالمثل. وبذلك، تكون كرة السلة الأميركية قد ساهمت في نقل جزء من معاناة «السود» في الولايات المتحدة إلى جزء كبير من المتابعين الرياضيين ممن هم على غير علم بالتطورات السياسية أو الاجتماعية في تلك البلاد.
وبالعودة بالذاكرة قليلاً، وتحديداً إلى كأس أمم أفريقيا لكرة القدم عام 2008، التي أقيمت في غانا؛ حادثة أخرى علقت في ذاكرة المشجعين، وكانت عندما رفع لاعب المنتخب المصري محمد أبو تريكة قميصه احتفالاً بتسجيله هدف منتخبه الثاني في مرمى المنتخب السوداني، لتظهر عبارة كُتبت على قميصه الداخلي «تعاطفاً مع غزة»، ما أثار موجة من ردود الأفعال الإيجابية لدى الجماهير. إلا أن الاستحسان الجماهيري الذي نالته هذه المبادرة لم يمنع حكم المباراة آنذاك من توجيه البطاقة الصفراء للاعب المصري، ذلك لخرقه قوانين «الفيفا» الواضحة، التي تمنع توجيه أي رسائل سياسية خلال مبارياتها.
القضية نفسها جذبت لاعبين آخرين، أهمهم كان المالياني فريديك كانوتيه، الذي لم يكتفِ بتسجيل تضامنه مع القضية الفلسطينية عبر رسالة مكتوبة على قميصه داخل الملعب، كما فعل في كانون الثاني من العام 2009 خلال مباراة ناديه آنذاك إشبيلية مع ديبورتيفو لا كورونيا في الدوري الاسباني، بل تخطاها ليضع عريضة تهدف إلى الاعتراض على تنظيم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لبطولة أمم أوروبا للاعبين دون 21 عاماً في إسرائيل، وقد حملت العريضة تواقيع 62 لاعباً محترفاً في الملاعب الأوروبية.
لكن إن أردنا أن نتحدث عن رياضيين حملوا لواء قضية ما بتفانٍ لا يقاس، فلا يمكن ألا نأتي على ذكر «أسطورة» الملاكمة محمد علي كلاي، وهو الذي جمع خلال مسيرته الحافلة بين القضايا الاجتماعية والسياسية، فكان المدافع عن حقوق «السود» في الولايات المتحدة، والرافض لفكرة الانخراط في الجيش الأميركي الذي كان يخوض حرباً في فيتنام آنذاك. ما يميّز محمد علي عن بقية الرياضيين الذين دافعوا عن قضية ما، هو تحملّه للظلم الذي لحق به جرّاء مواقفه هذه، حيث جرّدته المحكمة من جواز سفره ومن رخصة الملاكمة لرفضه الذهاب إلى فيتنام، فخسرته حلبات الملاكمة قسراً لمدة تجاوزت الثلاث السنوات (من عام 1967 إلى 1970)، إضافة إلى تجريده من لقب بطل العالم، لكن هذه القرارات الظالمة لم تحل بينه وبين استعادته لما هو ملكه، ليجد طريقه من جديد نحو لقبه المسلوب عام 1974، بعد استئنافه لقرار المحكمة وعودته للملاكمة لينصر قضيته من جديد.