أعادت الثورات العربية ــ خصوصاً مع وصول الإسلاميين إلى سدّة الحكم وتوسع حركتهم في المجتمع ــ طرح المفاهيم الإسلامية على طاولة البحث، وهو نقاش لم يعد محصوراً على مستوى النخبة وأهل الاختصاص، وإنما يأخذ مكانه على مستوى شعبي أيضاً، وفّرته مواقع التواصل الاجتماعي بصورة رئيسيّة. وتركز النقاشات الدائرة على القضايا الإسلامية المتصلة بالحكم، التكفير، الأصولية، الأحكام الشرعية، العلمانية والدين، المواطنة... إلخ. وكالعادة، الحجاب من أبرز الموضوعات التي أخذت مساحة واسعة من النقاش الذي أخذ أبعاداً فقهية واجتماعية وسياسيّة. السجال، ما زال قائماً وممكناً.
الأزهر: الحجاب فريضة

لم يكن الحجاب محط جدل واسع قبل ظهور حركات الإسلام السياسي عموماً، ولكن مع عودة انتشاره على نطاق واسع في المجتمعات العربية، بات النقاش حول مشروعيته وبضغط اجتماعي وايديولوجي نقاش في المقدس و«التابو»، وهو ما لاقته اجتماعياً وإعلامياً الدراسة الفقهية التي قام بها أستاذ الشريعة في الأزهر الدكتور مصطفى محمد راشد، والتي أصدر بنتيجتها فتوى تفيد أن الحجاب بمعنى غطاء الرأس هو «عادة اجتماعية» وليس فريضة إسلامية. وقد نفى الشيخ راشد حصوله على شهادة دكتوراه من الأزهر بخصوص هذه الدراسة.
وفي اتصال مع مساعد مستشار المفتي ومسؤول المكتب الاعلامي في الأزهر د. أحمد رجب أوضح أن الأزهر أصدر بياناً يكذب خبر موافقته على هذه الدراسة، معتبراً أن «نشر هذا الخبر تلفيق وتقوّل على الأزهر، لأن الحجاب كما يؤكد من ثوابت الدين، والاجتهاد لا يكون في ثوابت الدين إنما فقط في الأمور المستجدة. وأن الحجاب فرض على كل مسلمة بلغت سنّ التكليف أي السن التي ترى فيها الأنثى الحيض». ما يعني أن الأزهر ما زال يعتبر الحجاب فريضة، من دون أن يغلق ذلك باب السجال بالضرورة.
وهذا ما أكده أيضاً عضو لجنة افتاء الأزهر الشيخ سامي السرساوي، الذي قال إن الحجاب واجب وذلك بإجماع أهل العلم، واستناداً لقول النبي «لا تجتمع أمتي على ضلالة»، معتبراً أي كلام آخر هو تخريف لا علاقة له بشرع الله «فالنص القرآني واضح، ونعود في تفسيره إلى الصحابة باعتبارهم أفقه الناس وأقربهم إلى الرسول». وإضافة إلى النص القرآني يشير الشيخ السرساوي إلى حديث ورد عن النبي في وجوب الحجاب قوله لأسماء بنت أبي بكر «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يُرى فيها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه»، ولكنه يقول «للأمانة هذا الحديث ضعيف»، ولكن يؤخذ به لأن الإسلام يدعو إلى العفة والطهارة.
الحجاب برأي الأزهر هو من ثوابت الدين، والاجتهاد لا يكون في ثوابت الدين إنما فقط في الأمور المستجدة


ترفض الوريمي أن تكون هناك علاقة بين الحجاب والعفة. مشددة على أن المظاهر ما كانت أبداً محددة لحقيقة سلوك الشخص


يصرّ السيد فضل الله على ضرورة عدم الربط بين الحجاب والجانب الجنسي، حيث غالباً ما يقال إن الستر يؤدي إلى إيحاء جنسي أكثر من الكشف


يقول ياسين إن المؤسسة الدينية في الخمسينات لم تكن مصرّة على الحجاب، وكانت المرأة سافرة، ولم يكن هذا السفور ينطوي على أية دلالات استهجانية من قبل المجتمع

لم يكن الشيخ مصطفى راشد أول من أفتى بكون الحجاب عادة وليس فرضاً إسلامياً، فالشيخ الدكتور حسن الترابي أيضاً من الذين قالوا بلا مشروعية الحجاب لكون لا دليل عليه من القرآن، وأن دلالة النص قاصرة عن القول بالحجاب إلا ستر الصدر، وكذلك الدكتور جمال البنا شقيق حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الذي قال إن القرآن الكريم خصّ الحجاب بنساء النبي ولم يفرض على عموم النساء. بالإضافة إلى غيرهم من المفكرين والباحثين من أمثال قاسم أمين، نظيرة زين الدين، محمد شحرور، ونصر حامد أبو زيد... الذين راحوا باتجاه أن الآيات قالت بعدم إبراز المفاتن ولم تشر إلى وجوب أن تغطي المرأة رأسها.

ولى زمن العبوديّة

وفي حوار مع الباحثة التونسية والأستاذة الجامعية الدكتورة ناجية الوريمّي لاستطلاع رأيها حول الحجاب وتشريعه فقهياً، قالت «صحيح هناك آيات في القرآن الكريم تتعلّق بمسألة الحجاب، لكن وراء كل حكم في القرآن سبب نزول كما يقول به العلماء. فأسباب النزول هي التي تفهمنا الغاية أو الحكم من وراء كل حكم، وتجعلنا أيضاً قادرين على فهمه فهماً مقاصديّاً يتجاوز الفهم الضيّق». وعقبّت فلنأخذ الآية: «ياأيّها النَبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عليهنَّ مِن جَلاَبِيبِهنَّ ذَلِكَ أدْنَى أنْ يُعرَفْنَ فَلاَ يُؤْذيْنَ وَكَانَ اللَهُ غَفوراً رَحيمًا» (الأحزاب 59). ما هو سبب نزولها؟ أي ما الهدف من الأمر بإدناء الجلباب؟ (والجلباب كما جاء في «لسان العرب» هو ثوب أوسع من الخمار تغطّي به المرأة رأسها وصدرها). قال ابن سعد في الطبقات الكبرى متحدثاً عن دواعي هذا الحكم: «إماء كنّ بالمدينة يتعرّض لهنّ السفهاء فيؤذين. فكانت الحرّة تخرج فتحسب أنها أمَة فتُؤذى، فأمرهنّ الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن». ويثبت المعطيات نفسها الواحدي النيسابوري في كتابه أسباب النزول: «كان فسّاق من فسّاق المدينة يخرجون، فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا هذه حرة فتركوها وإذا رأوا المرأة بغير قناع قالوا هذه أمة فكانوا يراودونها فأنزل الله تعالى هذه الآية». من هنا نفهم أن الآية نزلت في المدينة بعد الهجرة، وفي ظرف خاص، لتحلّ إشكالاً نتج من عدم التفريق - من حيث المظهر الخارجي وفي الأماكن العامة- بين الحرائر والإماء. والوضع الاجتماعي والأخلاقي للأمَة هو غير وضع الحرّة. جاء الأمر للحرائر بارتداء ما يميّزهنّ. وكان الحجاب. وهذا معنى: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين).
المسألة إذن كما ترى الوريمي مرتبطة بمشاكل المجتمع الذي عرف ظاهرة العبودية، «واليوم لم يعد هناك حرائر وإماء، فلماذا الحجاب؟ وبين من ومن سيكون التمييز؟».
ترفض الوريمي أن تكون هناك علاقة بين الحجاب والعفة. مشددة على أن المظاهر ما كانت أبداً محددة لحقيقة سلوك الشخص. «غير المحجبات لسن غير عفيفات، هنّ آنسات وسيّدات محترمات، فيهن الصحافيّة والأستاذة والطبيبة والمهندسة والعاملة وسيدة البيت، لا أستثني صنفاً منهن، وعفّتهن تكمن في عقولهن أو لنقل في رؤوسهن وليس في ما يغطي رؤوسهن». كما لفتت إلى أن ارتداء الحجاب ليس هو الضامن لعدم وجود الانحراف. بل الضامن برأيها هو نوعية التربية والقيم التي يتشبع بها المرء، رجلاً كان أم امرأة. معتبرة أن الذين يربطون بين الحجاب والعفّة، يجهلون تماماً المسألة التربويّة في عمق دلالاتها. كذلك، تستنكر اعتبار الحجاب شرطاً كي لا ينظر الرجل إلى المرأة نظرة غرائزيّة... «في هذه الحالة يجب أن نقبل أن المرأة تنظر بالضرورة إلى الرجل نظرة غرائزيّة، فهو غير محجّب». وإذا وقفنا عند الإغراء فهو في الذاكرة الدينية مرتبط بالرجل لا بالمرأة، من خلال قصّة سيّدنا يوسف. إذن هذا ربط لا معنى له. الرجل أيضاً يمكن أن يغري المرأة ومع ذلك لم تُعالَج القضيّة بفرض الحجاب عليه. هل المرأة أرجح عقلاً وأقوى عزيمة منه حتّى لا يستثيرها عدم تحجّبه؟ وهل هو «حيوان» يتصرّف بمجرد غرائزه، حتى نتجنّب «أذيته» عن طريق فرض الحجاب على المرأة؟ لندع «هذ المنطق الغرائزي جانباً لأنّه لا يليق بالإنسان العاقل».

المرأة واللحظة التاريخيّة

إلى ذلك، يرى السيد جعفر فضل الله أن الاستدلال على عدم وجوب الحجاب الإسلامي من خلال العودة إلى الظرف التاريخي الذي يصنّف بين الإماء والحرائر، وأنه بانتفاء هذا الظرف ينتفي الحجاب، هو استدلال غير دقيق منهجياً، فالمنهج يقول إنه يجب أن نستنفد كل الأدلة الأخرى مع هذا الدليل لإصدار الحكم الشرعي. «إن موضوع الإماء هو موضوع سابق على الإسلام، والإسلام تعامل معه كأمر واقع، وهناك فرضية تقول إن تكريس الإسلام هذا الفصل بين الإماء والحرائر إنما هو لأجل تحفيز الإماء بشكل دائم لكي يرتقين إلى مستوى الحرائر».
الهدف من الحجاب كما يرى السيد فضل الله، هو أن تخرج المرأة إلى المجتمع كإنسانة، بمعنى أن تتخفف من كل ما يشكّل بالنسبة إلى المجتمع حالة غرائزية لكي لا تكون موضع إثارة في الوقت الذي ينبغي أن تعمل بكل حرية وفي كل راحة في العمل. «في الدائرة العامة لا تحتاج المرأة إلا إلى العقل والكفاءة والخبرة وهذا الكلام ينطبق أيضاً على الجانب الذكوري لأن الإسلام أراد للذكورة والأنوثة أن تبقى في إطار خاص، وأن يبرز كل من الرجل والمرأة إلى المجتمع كإنسان لا كذكر ولا كأنثى، ولكن بما أن المرأة تمثل البعد الجمالي الأبرز في جسدها كان مفروضاً عليها قطع أكثر من الثياب». هكذا، يرى السيد فضل الله أن طبيعة الرجل أنه «يتجرأ على المرأة التي تعرض أجزاء أكثر من جسدها قياساً بالمرأة التي تستره، فالكشف عن الجسد يعطي رسالة غير مباشرة أن النظر مباح، ولذلك فإن الإنسان يسترسل شيئاً فشيئاً وخصوصاً في أجواء من الاحتكاك اليومي في العمل والسوق... ولذلك يكثر التحرش في هذا الإطار».
وعند التعليق على أن المرأة بغطاء رأس أو بدونه يمكن أن تكون محترمة أو غير محترمة، وأن المهم هو الدعوة للحشمة، أكدّ السيد جعفر أن عالم التشريع لا يلحظ الحالات الخاصة، إنما يلحظ النسب. «عندما نريد أن نخطط لحركة مجتمع ككل لا يمكن أن نبني على النماذج التي تشكل حركة نخبة معينة، وأن نشرّع على ضوئها لأن الناس لا يتحركون من المنطلقات نفسها التي تتحرك بها النخب، والتي تقيم لنفسها ضوابط، فضلاً عن أنه حتى النخب بالنهاية لها حالات غرائزية».
ثم يضيف: «لنرى كيف تحوّلت المجتمعات التي لم تلزم المرأة بالحجاب وكانت تقول بالحشمة والتربية والتعليم أمام سيطرة الأهواء على الإنسان، وخصوصاً مع دخول التجارة والتسويق»، مشيراً إلى أن طبيعة الإنسان والتعقيدات التي يعيشها وتوقه للراحة تجعله يتحرك من تنازل إلى آخر مع تطور الزمن، وهكذا عندما يتنصّل من الضوابط على مستوى حركة جسده، فإننا نصل إلى وقت نفقد فيه الحشمة: «نحن هنا نتحدث عن الواقع، ولا نتحدث في نظريات مجردة أو في عالم غير عالمنا الأرضي».
«نعم، كما القوانين لا تمنع الجريمة، كذلك الحجاب لا يمنع الانحراف، نحن قمنا بوضع موانع واقعية»، هذا ما يقوله السيد جعفر منبهاً إلى أنه لا يجب اختصار الحجاب بموضوع ستر الجسد الخارجي، إنما يشمل أيضاً طريقة تعاطي المرأة على كل المستويات، «التي تلبس الستر الشرعي ــ أي تلتزم بستر ما عدا الوجه والكفين ومشط القدمين والذي لا يحكي البشرة أي لا شفاف ولا ضيق ــ وهي تعيش الميوعة في الحديث والحركة والسلوك، فإنها لا تحمل من الحجاب غير الاسم».
ولذلك فالمشرع لم يضع قيوداً على مستوى الشكل فقط وإنما على حركة المرأة والرجل، ويأتي التحصّن الأكبر «عندما نربي الإنسان على ضمير حي ووازع ديني داخلي مرتبط بعلاقته بالله.
يصرّ السيد جعفر على ضرورة عدم الربط بين الحجاب والجانب الجنسي، حيث غالباً ما يقال إن الستر يؤدي إلى إيحاء جنسي أكثر من الكشف، أو أن الإنسان يتحوّل إلى ذكوري في إطار الحياة الدينية أكثر مما هو في غير الحياة الدينية. فلا تمكن برأيه مقاربة هذا الموضوع بهذه البساطة الذهنية... «من وجهة نظر علمية لا بد من الانطلاق من خلال دراسة ميدانية واقعية ترصد كل العوامل التي تلعب دوراً في تنشئة الإنسان وجعله ذكورياً أو غير ذكوري سواء في الحياة الدينية أو غيرها... فالنظرة الجنسية ترتبط بطبيعة التنشأة والتربية وبعوامل عديدة، فقد تكون لدى الإنسان مشكلة فينظر إلى كل شيء على أنه جنس». وربما ينبغي الالتفات للحظة التاريخية التي نعيشها حسبما يقول السيد، حيث لم تكن المرأة في الشرق عموماً تخرج إلى ميدان العمل، ومع هذا الوضع المستجد الذي تظلله نوعية محدّدة من القيم على المستوى التربوي والاجتماعي والنفسي يمكن لنا أن نفسّر هذا الربط، الذي يجعلنا نضعه في سياق ظرف تاريخي حتماً سوف يتغيّر مع تغيّر الظرف.
وفي موازة ذلك، يرفض السيد جعفر فضل الله المنطق الذي يقول إن المرأة غير المحجبة هي مرأة «متهمة حتى يثبت العكس»، قائلاً إن «الإنسان إنسان أينما كان، المهم أن يكون لديه وازع داخلي أمام أمور قضايا معينة، المرأة غير المحجبة هي امرأة غير محجبة ونقطة على السطر. أما أخلاقها وسلوكها هذا يخضع لموازين التقييم بالصدق، بالأمانة، بالعفة، إلخ مثلها مثل أي إنسان آخر».
برأيه، هذا الموضوع لا يقاس بالجانب الشكلي فقط، بالعكس، يمثل هذا النوع من التقييم سذاجة في الحكم على الأشياء، نعم الجانب الشكلي هو واحد من الأبعاد التي يعمل عليها في عملية التنشئة والحماية العامة عبر إيجاد نوع من الضوابط أمام حركة الغريزة التي بطبيعتها حركة غير منضبطة وخصوصاً أن الذكور والإناث يعيشون معاً والإنسان كائن يتحوّل ويتبدل في مزاجه وعاطفته وأخلاقه وأهوائه...لذلك «لا بد لنا عند إطلاق أي موقف أن نرى الأمور من أبعاد وجوانب عدة».

أزمة تأويل لا أزمة نصوص

وفي حديث مع المفكر المصري الدكتور عبد الجواد ياسين، رأى أن الحجاب بما هو عادة اجتماعية يعود لكل إنسان حرية التزامه من عدمه، ولكن هذا لا يعني برأيه أن للحجاب تأسيساً عقلياً وفقهياً. يرى صاحب كتاب «الدين والتديّن»، أن جميع النصوص ذات الطابع التكليفي أي التشريعية هي مرتبطة بزمانها وبظرفها التاريخي وهي صدرت استجابة للمناخ العقلي الاجتماعي النفسي الموجود في زمن النص وبالتالي هي تتغير بتغيّر الظرف والزمان، مشيراً إلى أن المنظومة الدينية التي يدين بها الناس اليوم هي منظومة تاريخية من صناعة التاريخ العقلي وليست مستمدة مباشرة من النص ذاته، أي ليست متصلة الاسناد إلى إرادة الله إنما هي وفق تأويل وتفسير الهيئة الدينية التي تحتكر تأويل النص وتفسيره وهي التي تعطي للنص مفاهيم إلزامية تفرضها على الناس.
يقول ياسين إن المؤسسة الدينية في الخمسينات لم تكن مصرّة على الحجاب، وكانت المرأة سافرة، ولم يكن هذا السفور ينطوي على أية دلالات استهجانية من قبل المجتمع من قبيل الانحلال أو مخالفة للدين، وهذا يعود لكون الثقافة والمفاهيم «المدنية» التي جاءت مع الاحتكاك بالحداثة في أوائل القرن التاسع عشر هي التي كانت سائدة، كما يفسّر الدكتور ياسين انتشار الحجاب في الآونة الأخيرة نتيجة سيطرة المفهوم الديني السلفي المضاد لروح الدين والذي تمّ على حساب الروح الإنسانية والروح الفردية، ويقوم على فكرة سياسية واتجاه سياسي، أعاد تنصيب نفسه في المجتمع بهذه الحيثية ليعيد صياغته من خلال أطروحة اجتماعية سياسية ترتكز إلى أرضية دينية، ما حوّل الدين إلى إيديولوجيا.
«أصبحنا حيال وضعية سياسية اجتماعية جديدة تبشر وتدعو إلى مفردات من ضمنها الحجاب وغيرها من المفردات باعتبارها مظهراً من مظاهر انطلاق هذه الايديولوجيا الجديدة»، هكذا يفسّر ياسين العلاقة بين المجتمع والسياسة عبر الحجاب، ومن هذه الزاوية بات الحجاب في هذا العصر يقدم على أنه نموذج إسلامي ونموذج ديني لكي يعبر من قبل هذه القوى عن نوع من الشعارية السياسية التي تُستخدم لفرض المفاهيم وتكريسها في الواقع. وفي أية حال، هذا نقاش طويل، لا يستنفد بمثل هذا العرض السريع، كما أنه سيبقى حاضراً في الساحة الفكرية والاجتماعية لفترة طويلة، وغناه في قوامه على أسس فكرية وحجج علمية.
في الوقت ذاته، قد يؤدي إلى أزمة، حين يعمد أنصار كل من الطرفين المؤيد والمعارض للحجاب إلى استخدام خطاب عنفي تجاه الآخر أو إلى «الإرغام والاكراه» والقصر لفرض وجهة نظره على مستوى السلطة والاجتماع.