ما الذي يمنع من أن يفكر واحدنا في شراء حمار لتربيته وتنزيهه والاعتناء به، كما يفعل كثيرون عادة مع الكلاب والقطط؟ أليس الحمار حيواناً أليفاً؟ ألا تتفق جميع المراجع البيطرية على هذه النقطة؟ على الغالب، سيواجه أي طرح من هذا القبيل بالاستهزاء من المتلقين، وقد يذهب البعض أبعد، في اعتبار هذا الطرح «ملغوماً»، وراءه غايات في نفس طارحه.
والحال أن التجربة كفيلة بإعطاء المرء فكرة عما يمكن أن يحدث إذا فكّر في طرح هذه المسألة على العموم. وقد فعلها كاتب هذه السطور. فعلها، بأن كتب «ستاتوس» على موقع «فايسبوك»، على صفحته العامة، يسأل فيه، جدياً، عن أسعار الحمير وأماكن وجودها، لأنه قرر أن يشتري حماراً. ولم يكن الطرح اختبارياً، فالفكرة، أعني فكرة شراء حمار، تراود صاحب السطور، منذ أعوام، وهو عازم على تحقيقها في أقرب فرصة. ما كان يعوزه حقاً، بعض المعلومات عن أسعار الحمير، وكيفية شرائها، وأمكنة وجودها، فضلاً عن معلومات ضرورية حول طريقة الاعتناء بها، وحاجاتها المادية، من طعام وشراب. فالحمار، مثلنا، يأكل ويشرب، وهو يحتاج طبعاً إلى سرج، ومع ذلك، وكما يقول المثل، لن يجعل سرج مذهب من الحمار حصاناً. لهذا لا بأس بسرج متواضع، يفي بالغرض، مع أن فكرة ركوب الحمار لا تستهويني، بقدر فكرة تنزيهه عبر جره بالحبل، كما ينزّه معظم الناس كلابهم على الأرصفة. حاصل أنه، طرحنا الفكرة على الفايسبوك، وانهالت التعليقات الساخرة والهازئة والمشككة، فضلاً عن التعليقات التي راحت تستفيد من ذكر الحمار، لتوجيه رسائل سياسية، لمرشح لرئاسة الجمهورية، أو لخصم سياسي عتيق، أو للنواب قاطبة، وذهبت بعض التعليقات إلى حد وصف الشعب اللبناني كله بالحمار.
اللافت ان التعليقات الجدية كانت شبه نادرة، حتى أولئك الذين أرادوا مساعدتي للحصول على معلومات، أرسلوا لي رسائلهم في علبة البريد الخاصة، خوفاً من التعبير عن تعاطفهم مع هذا «البوست» المشبوه أمام موجة السخرية العارمة من الحمار ومني على السواء، لأنني تجرأت (صدقوني يحتاج الأمر إلى جرأة) على التصريح برغبتي في شراء حمار! وانتهيت بعد هذا «الستاتوس»، إلى حصيلة كبيرة من التعليقات الساخرة والهازئة، فضلاً عن كم لا بأس به من اللايكات، التي أحدس أنها أعجبت بالستاتوس على اعتبار أنه مزحة أو نكتة، كما انتهيت إلى خلاصة تفيد بأنه يصعب أن تتحدث عن الحمار كحمار؛ من دون أن يحمل أوزار السياسة والغباء الإنساني والسخرية الرخيصة. كما صعب أن يأخذ الحديث عن الحمار منحى جدياً، محترماً، لا يصل في خلاصته الى إهانة الحمار عبر تشبيهه بالبشر، من خلال إعطائه صفاتهم السيئة. وانتهيت، من الرسائل التي وصلتني إلى «الإنبوكس» إلى أن الحمير أنواع، ومنها المغشوش، كالأعور (عينه مفقوءة)، والمتوّك (به عاهة خلقية)، كما جرى تحذيري من إمكانية أن يبيعني نصاب ما حماراً مطلياً (بالدهان) كما حدث مع أحدهم في سوق النبطية، على حد قول صاحب التحذير. كما علمت من بعض الرسائل بوجود أسواق لبيع الحمير في البقاع وفي الجنوب (بلدة كوكبا - سوق الخان)، كما زوّدني أحدهم بعدد من أرقام الهواتف لتجار الماشية، لأسألهم عن أسعار الحمير هذه الأيام.
تبين بعد البحث، أن سعر الحمار يتراوح بين مئتي دولار ويصل إلى أكثر من ألف دولار في بعض الأحيان. وحدست أن حمار الألف دولار لا بدّ أنه قريب من الحصان في أدائه وسرعته، ونُصحت بأن أنثى الحمار أفضل من الحمار، ذلك أنها أقل ضجيجاً، وأكثر «أناقة» على ما قيل لي. سأشتري حمارة (أتان)، بدلاً من حمار. فبذلك أحقق شيئاً من التوازن الجندري، بين جنسَي الحمير، على أن أعمل لاحقاً على مشروع قانون أتقدم به إلى السادة النواب، يدعو إلى خلق توازن بين الحيوانات الأليفة، فلا يميز اللبنانيون بين كلب وحمار، أو بين قطة وجحش، بل يعاملون جميع الحيوانات سواسية، على أن نصل في المستقبل إلى مرحلة ينتفي فيها التمييز بين البشر والحيوانات، فلا نعود نؤذي الحمار بأن نشبهه بالبشر، ولا نؤذي البشر بأن نشبههم بالحمير. وذلك القانون، إذا أقرّ، قد يمكّن الليث من أن يستعيد هيبته كحيوان أليف، وخصوصاً إذا ما قورن بالإنسان الذي ينتحل صفته، ويظن أنه يعيش ملكاً على غابة!