«لماذا أنت في السجن يا أبي؟ هل صحيح أنّه بسبب إنشائك موقعاً إلكترونياً يشجّع على الحوار السياسي والاجتماعي؟». بهذين السؤالين توجّه الطفل طراد رائف بدوي في رسالة مصوّرة إلى والده المعتقل. رسالة أُطلقت ضمن حملة «الكتابة من أجل الحقوق» التي نظّمتها «منظمة العفو الدولية» للمساهمة في إطلاق سراح الناشط والمدوّن السعودي.
لم يكن الطفل يعلم أنّ أحلامه البريئة التي كتبها بالفرنسية من مكان لجوء العائلة في مدينة شيبروك الكندية، ستتكسّر على وقع صوت تكبير العشرات، فور انتهاء السلطات السعودية من تنفيذ الجزء الأوّل من عقوبة الجلد في حق رائف بدوي (50 جلدة) في التاسع من كانون الثاني (يناير) الجاري في ساحة عامّة قرب «مسجد الجفالي» في مدينة جدة (غرب المملكة)، وذلك تزامناً مع حملات إعلامية، وفتاوى بالكفر والإلحاد، كانت ستقود بدوي إلى حبل المشنقة. وأمس، كان يُفترض أن يتلقى بدوي الدفعة الثانية (50 جلدة) في جدة، وسط استمرار المطالبات حول العالم بوقف تنفيذ الحكم عليه. لكن «سوء وضعه الصحي» أدى إلى التأجيل وفق ما أعلنت زوجته إنصاف حيدر و«منظمة العفو الدولية». في السابع من أيّار (مايو) 2014، أكدت المحكمة الجزائية الحكم على بدوي، ليقضي عقوبة السجن لمدّة عشر سنوات، إضافة إلى تلقيه ألف جلدة، مع غرامة قدرها مليون ريال (أكثر من 26,640 دولار أميركي). أما التهمة، فهي «مخالفة» قانون نظام مكافحة جرائم المعلوماتية السعودي. بدوي هو الشريك المؤسس لـ«الشبكة الليبرالية السعودية الحرّة» (2006) إلى جانب سعاد الشمري التي أُلقي القبض عليها في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي على خلفية التهمة نفسها. تهمة يستخدمها النظام السعودي ضد النشطاء بحجة الـ«مس بالأمن العام». منذ ذلك الحين، تنشط إنصاف حيدر في عشرات الحملات المؤيدة للإفراج عن زوجها. وفي سبيل هذه الغاية، نظّمت العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام سفارات المملكة السعودية في كندا، والدنمارك، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وهولندا، وغيرها.
الزوجة قالت لـ«الأخبار» إنّها أُجبرت على إخبار أطفالها الثلاثة عن جلد والدهم في ساحة عامة بسبب الضجة التي ترافقت مع القضية في محل إقامتهم، وانتشارها عبر جميع الصحف والقنوات الفضائية الكندية، محمّلة السلطات السعودية مسؤولية سلامته. تداعيات تنفيذ الحكم ضد رائف بدوي جعل النظام السعودي يتعرّض لهجوم وانتقاد دوليَيْن. فقد حض المفوّض الأعلى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، زيد رعد الحسين، أوّل من أمس، العاهل السعودي على العفو رائف بدوي، مطالباً إيّاه بـ«مراجعة هذا النوع من العقوبات القاسية جداً». كذلك، رأت صحيفة الـ«غارديان» البريطانية أخيراً أنّ «هذه العقوبة تستهدفنا نحن كما تستهدف رائف بدوي»، مضيفةً: «مسرحية الجلد في مكان عام ليست سوى استعراض ترغب السعودية من خلاله إيصال رسالة، هي أنّها قادرة على معاقبة من يجرؤ على الكلام أو التفكير الحر في فيها». الانتقادات زادت بعد مشاركة السعودية في حملة التضامن مع صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية إثر الهجوم الدامي الذي تعرّضت له، بعد أقل من 48 ساعة على جلد المدوّن والناشط السعودي للمرّة الأولى. المشاركة جاءت مساندة من المملكة لـ«حرية التعبير والصحافة» وتأييداً لمجلة يتهمها البعض بـ«العنصرية والإساءة للدين الإسلامي». هذه ليست المرّة الأولى التي تُمارس فيها المملكة الوهابية ازدواجية متمثلة في إسكات الداخل بالتخويف والقمع، في وقت تحاول فيه إلهاء المجتمع الدولي عبر تبنّي محاربة الارهاب وتشجيع حرية التعبير التي لا تليق بمواطنيها طبعاً!
إعلان التضامن مع «شارلي إيبدو»، ترافق مع إرسال مندوبين إلى باريس و«ساحة سمير قصير» في وسط بيروت للتعبير عن إدانة الجريمة الفرنسية. كان ذلك دليل إدانة جديد للوحشية التي أسقطتها السعودية على بدوي بسبب محاولته تعزيز النقاش العام في الداخل. فالمدوّن السعودي تجرّأ على محاسبة سلطات بلاده السياسية والدينية من خلال إتاحة وسائل تواصل أمام النشطاء الافتراضيين بعيداً من الرقابة الرسمية التي حاولت توجيه المزاج الشعبي وفق مشيئة السلطة الملكية وشرطتها الدينية. وقد رأى الرجل الثلاثيني أنّه من الواجب البدء بتحطيم هذا الواقع بالكلمة، ليكتب لاحقاً: «هنيئاً لنا نحن بـ«هيئة الأمر بالمعروف» معلّمتنا الفضيلة، والحريصة دائماً على أن يكون جميع أفراد الشعب السعودي من أهل الجنة».