كما في السياسة كذا في كرة القدم. استقواء العرب يكون على بعضهم بعضا من دون ان يتمكنوا من فرض تلك القوة النسبية على بلدانٍ غير ناطقة بحرف الضاد. المشهد المذكور كان سمة الفشل العربي في كأس آسيا 2015 المقامة في اوستراليا، حيث عاشت غالبية المنتخبات العربية مأساةً بكل ما للكلمة من معنى في دور المجموعات. مأساةٌ لا تترك املاً ضئيلاً بأن منتخباً عربياً سيخرج متوّجاً باللقب في نهاية المطاف.
الملاذ الوحيد للعبور الى ربع النهائي بالنسبة الى المنتخبات العربية هو وجود ثلاثة منها في مجموعة واحدة، وهذا ما ثبت من خلال تأهل الامارات على حساب قطر والبحرين، والامر عينه سيحصل في مجموعة اخرى، حيث وُضعت منتخبات العراق والاردن وفلسطين الى جانب اليابان.
وحتى كتابة هذه السطور، كان المنتخب السعودي الوحيد الذي كسب ثلاث نقاط من منتخبٍ غير عربي هو الكوري الشمالي الضعيف هذه الايام، لكن هذا الفوز لم يكن كافياً لان المنتخبين الآخرين في المجموعة ليسا من الجزيرة العربية بل الصين واوزبكستان، اللذين تأهلا معاً الى الدور المقبل.
فشل العرب هذا كان متوقعاً، فالكل يتقدّم في القارة الآسيوية بخطى حثيثة وملموسة، ما عدا العرب الذين ينسخون الصورة السياسية في مكانٍ ما على الساحة الكروية عبر تغنّيهم بانتصاراتٍ ثانوية كالفوز ببطولات اقليمية تضمّهم فقط، لكن عندما تدق ساعة الجدّ يكتشفون امكاناتهم الحقيقية.
ففي ببطولةٍ مثل كأس آسيا لا تنفع الاموال التي تصرفها الدول النفطية في كرة القدم، ولا تنفع الحماسة الوطنية لدى دول القضايا القومية، فهناك في القارة الصفراء، بلدان تستثمر وتعمل على نحو صحيح لا بطريقة عبثية وعشوائية من حيث تبذير الاموال في غير مكانها ومن دون استخراج الافضل من خلال توظيفها.
وقد تكون الصين التي خطفت من لبنان بطاقة العبور الى كأس آسيا بفارق هدفٍ وحيد، المثال الصارخ على هذه النقطة، اذ بين الامس واليوم تغيّر منتخب بلد المليار ونصف المليار عمّا كان عليه، فالعمل هناك كان وفق استراتيجية مدروسة ومنظّمة وصامتة من دون بروباغندا اعلامية غير مجدية. اسماء كبيرة في عالم التدريب وصلت ونجوم عديدون حطّوا هناك، لكن الآلية المعمول بها كانت تتركز كلها على تطوير اللاعبين المحليين عبر دوري المحترفين من خلال استفادتهم من المناخ الذي خُلق من حولهم ولأجلهم.
في المقابل، يستمر العرب في توظيف اموال الكرة في اماكن خاطئة، واحياناً في لاعبين اجانب اكل الدهر وشرب على غالبيتهم، لا بل انهم تخطوا تاريخ صلاحياتهم في الملاعب منذ زمنٍ طويل، او في مجنّسين غير نافعين. الهوس بالاسماء وبالضجة الاعلامية هنا وهناك لم يؤثر سوى سلباً على الكرة العربية، ولم يصنع سوى عظمة غير واقعية في رؤوس لاعبيها الذين ظن بعضهم انه لا حاجة لخروجهم للاحتراف في اوروبا على غرار الاوستراليين واليابانيين والكوريين الجنوبيين، لانهم محاطون بأجواء مماثلة لتلك الموجودة في بطولات «القارة العجوز».
هو وضع مأسوي، يعكس فشلاً متواصلاً للكرة العربية على صعيد المنتخبات. فشلٌ صنعه العرب أنفسهم بدلاً من صناعة مجدٍ من خلال احدى المواد الاوليّة الاساسية لرفع مستوى الكرة، وهو عنصر المال، الذي لو جرى توظيفه بالشكل الصحيح طوال الاعوام الاخيرة لكان قد حمل معه ابهر النتائج وافضل اللاعبين الى الخارج.
لم تعد تنفع العناوين الرنانة في الصحف بوصول هذا النجم او ذاك، ولا تنفع استضافة البطولات والمنتخبات والفرق الكبيرة للتدرّب بأصحاب الضيافة، ولا تنفع كل تلك الانتصارات الوهمية التي عُرفت حقيقتها في اوستراليا.