كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم وشهرتها حلم الكثيرين من مختلف طبقات المجتمع. لكن، وبالمجمل، معظم اللاعبين الذين انطلقوا نحو العالمية، او أقل منها بقليل، بدأوا في أحياء فقيرة. لا ملاعب ولا نظام إضاءة متطور، ولا حتى عشب أخضر يفترش أرض الملعب المصطنع، ولا شباك، فالعارضة هي حجر أو سلة نفايات، ولا توجد حتى خطوط بيضاء ترسم حدود الملعب.
من هناك نشأ كبار اللاعبين، أمثال البرازيلي بيليه والأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا، إلى الأرجنتيني الآخر ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو. فقر مدقع مروا به، وخطوة تلو أخرى، وفي كثير من البلدان، بين أميركا الجنوبية وأوروبا، باتوا من أغنى اللاعبين في العالم، وقد بلغوا هذه المرحلة بعد تجارب مريرة.
قليلون منهم نشأوا في بيئة غنية أو أرستقراطية، ومع ذلك لجأوا الى شغفهم الاول اي كرة القدم. اللاعبون من الطراز الأول شغوفون أيضاً باللعبة، لكن قد يعتريهم حب اللعبة من أجل المال، وتحسين حالهم وعائلاتهم اجتماعياً، وهذا حقهم طبعاً. الآخرون، لديهم شغف محض باللعبة. لا همَّ لديهم بالأموال التي يملكونها او تلك التي كدسوها قبل اطلاق مسيرتهم في اللعبة، حتى إن بعضهم ولد في فمه ملعقة ذهبية.
لا يشبه ريكاردو كاكا أيا من اللاعبين البرازيليين الآخرين، اذ انه الاستثناء الصارخ بين مواطنيه الكرويين، فهو ابن بيئة أرستقراطية، انتقل من عالم الثروة الى عالم الكرة. هو لم يكن يعاني الفقر أو البطالة ليتجه نحو كرة القدم من اجل تحسين أحواله الاقتصادية والمعيشية مثلاً. ونادراً ما يحدث هذا الامر بين لاعبي العالم. أتقن كاكا كرة القدم بعيداً من الشوارع والحدائق العامة، بل ذهب في سنٍّ مبكرة الى أكاديمية كروية محترمة، حيث أشرف عليه مدربون صقلوا موهبته.
كاكا هو احد هؤلاء الذين رضوا أن يكونوا بمصاف بقية اللاعبين وتخلوا عما يملكونه من اجل عيون كرة القدم فقط.
في التحكيم أيضاً، يبرز اسم «المليونير» السويدي جوناس إريكسون. لقبه «الحكم المليونير»، وهو من أهم الحكام الدوليين، وقد أدار مباريات مهمة، أبرزها في المونديال الأخير، وكأس اوروبا ودوري أبطال اوروبا. حكم دولي حضر في مناسبات عدة، وقصته تختصر حكايات عشق اللعبة. لقد تنازل إريكسون قبل أعوام قليلة عن كل أعماله المربحة من أجل التفرغ لعمله في مجال التحكيم، اذ كان يملك حوالي 15% من الحقوق الإعلامية الخاصة في السويد، وشركته تملك مكاتب عدة في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، لكنه باع أسهمه بملايين الدولارات، وصرَّح على نحو واضح وحازم ما يختصر قيمة اللعبة بالنسبة اليه: «كل الأموال التي أملكها لم تغيّر شيئاً، أفضل ما أفعله في حياتي حالياً هو تحكيم المباريات».
رئيس الوزراء البلغاري السابق بويكو بوريسوف (54 عاماً) استقال من منصبه تحت ضغط الشارع، ولجأ الى ما يعشقه: كرة القدم، ليصبح الأكبر سناً بين اللاعبين في بلاده بعدما تعاقد مع فريق في الدرجة الثانية هو فيتوشا بيستريتسا. وظهر بوريسوف في أسلوب لعبه مثله مثل بقية اللاعبين، في نادٍ يعرفه جيداً، إذ كان قد لعب معه مهاجماً عندما كان هذا النادي يمثل أحد أحياء مدينة صوفيا ببلغاريا مسقط رأسه. يحب بوريسوف ممارسة رياضات أخرى مثل الكاراتيه وكرة المضرب، لكنه يعشق كرة القدم. وتصريح الأطباء له بأن حالته الصحية جيدة، أعطاه دفعة معنوية للعودة اليها.
هذه حالات خاصة في كرة القدم، قدّمت نموذجاً عن التضحية بما يملكه انسان من أجل لعبة عشقها. نشاهد في المدرجات شغف الجماهير بناديها أو بمنتخب بلادها، ونشاهد شغف اسماء على أرض الملعب رموا الغالي والنفيس جانباً من اجل مغازلة ساحرة كل الجماهير.