قبل الذهاب إلى مشاهدة Fifty Shades of Grey (خمسون درجة من الرمادي) للمخرج سام تايلور جونسون، كثيرون قرأوا رواية إي. أل. جايمس التي اقتبس عنها الشريط، وأثارت الكثير من الضجة ولاقت رواجاً خصوصاً بين النساء. الأمر الذي يبعث على التأمّل إن لم يكن الاستغراب بعد مشاهدة الفيلم. العلاقة في الفيلم أقرب إلى كليشيه الرجل الذكوري المسيطر، والمرأة الخاضعة للسادية المازوشية التي هي أكثر تعقيداً كما جسدتها أعمال ماركي دو ساد مثلاً. «أناستازيا» (الممثلة داكوتا جونسون) طالبة أدب إنكليزي رقيقة وبريئة، تلتقي بـ«كريستيان غراي» (جايمي دورنان)، المليونير الشاب الذي «لا يؤمن بالرومانسية». القصة التقليدية تبدو أشبه بحكاية سندريلا معاصرة أو روايات «عبير»، مع العلم أنّ اسم «غراي» يُفترض أن يوحي بالغموض. باستثناء أنّه بخلاف الزواج، ما يعرضه الرجل الغامض على «أناستازيا» هو عقد مكتوب توافق فيه على الخضوع له جنسياً، مع معاقبتها إذا أخطأت، في حين هي لا يحق لها حتى أن تلمسه من دون إذنه. وهو ما قد يبدو بالنسبة للجمهور الغربي محض خيال، فيما هو لسخرية القدر أقرب إلى الواقع في بلداننا العربية، إذ يشبه عقد زواج المتعة والمسيار وغيرهما، وصولاً إلى الزواج الإسلامي التقليدي الذي يُسمّى أيضاً بعقد النكاح وينص على وجوب طاعة المرأة لزوجها وحقّه بتأديبها في حال تمرّدت.
أما القصر الذي يأخذ إليه الأمير «كريستيان» السندريلا «أناستازيا»، فليس ـ للطرافة ـ إلا غرفة الألعاب السرية التي تحوي كل الأكسسوارات الجنسية الخاصة بالميول السادية، كالسوط، والحبال، والقيود المرتّبة بإتقان لا مثيل له.
لكن بحسب ما يقول «كريستيان» لـ«أناستازيا»، هو ليس سادياً بل يهوى لعب دور المسيطر. المفارقة المضحكة أنّنا لا نلمس فعلياً أي نزعة سادية أو للسيطرة كما يدّعي، لأنّه يستخدم السياط بطريقة أشبه إلى مداعبة الريشة للجسد، كما أنّ القيود والعصابة التي يضعها على عيني «أناستازيا» أثناء ممارسة الجنس أقرب إلى الرومانسية المفرطة منها إلى السادية. غير أنّنا نرى النزعة المازوشية الفعلية لدى «أناستازيا» تستفز «كريستيان» طوال الشريط ليُظهر ساديته التي يتحدّث عنها ولا يمارسها. وفي النهاية، يستجيب الرجل ويجلدها في أحد المشاهد بموافقتها، لكنّها تُصاب بصدمة عصبية إثر ذلك، وكأنّها تكتشف نزعته السادية للمرّة الأولى.
في هذا الإطار، يمكن القول إنّ ما يصوّره الفيلم فعلياً هو العلاقة بين رجل يدعي السادية وامرأة تدعي رفضها. وهي تركيبة مثيرة للاهتمام أكثر من القصة المعروضة غير المتماسكة. أما ميول «كريستيان» الجنسية المتطرّفة، فتعود بحسب Fifty Shades of Grey إلى العلاقة الجنسية الأولى التي جمعته بصديقة أمّه التي كانت المسيطرة بينما هو الخاضع. لكن العلاقة الفعلية المتأزمة هي مع الأم التي يوضح الفيلم أنّها كانت مومس، ما يجسّد كليشيه الرجل الذي يود معاقبة كل النساء انتقاماً لخيانة الأم له. خيانة تبدأ من الأب أوّلاً طبعاً! وسط ذلك، يجد «كريستيان» أخيراً في «أناستازيا» النقاء الذي يبحث عنه، لأنّها عذراء بخلاف بقية النساء «المدنّسات بالخطيئة»، وهو يعبّر عن فرحه حين تُخبره بأنّ ما مِن رجلٍ لمسها قبلاً.
وبناءً على ذلك، كان الأجدر بالبطل أن يُلقّب بـ«كريستيان» العربي بدلاً من «كريستيان غراي»! أما بالنسبة للإباحية المثيرة التي يُفترض أنّها سبب شهرة الرواية والفيلم، فأغلب المشاهد الجنسية بطابعها المصطنع والمنمّق الذي يمكن وصفه بالإيروتيك الراقي، لا تنقل أي إحساس فعلي بالرغبة أو الشهوة. هذا غير الرقابة الذاتية التي تطغى على الشريط، إذ يتجنّب تصوير الأعضاء الحميمة خصوصاً النسائية، فيما يبدو أكثر تساهلاً مع عرض جسد «أناستازيا» بطبيعة الحال.
ومما لا يساعد في إضفاء صدقية على الشريط، هو وجه الممثل جايمي دورنان الخالي من أي تعبير أو إنفعال، وأشبه بصورة من مجلة. لكن لحسن الحظ، ينقذ أداء داكوتا جونسون الفيلم ويبث فيه بعضاً من الحياة. كما تتميّز اللغة السينمائية بالسلاسة في السرد، وبجماليتها في بعض اللقطات التي قد تكون أفضل ما في الشريط لكنّها، جمالية زجاجية تشبه جو الشريط.



Fifty Shades of Grey: صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «بلانيت» (01/292192)، «سينما سيتي» (01/995195)