منذ ثلاث سنوات تقريباً، «استوطنت» شركة «سامة آرت إنترناشيونال» في لبنان، وتحديداً في منطقة الدورة (شمال بيروت)، للتفرّغ لدبلجة المسلسلات الكورية. خطوة أعقبت إثبات تجربة أنّ الدبلجة إلى اللغة العربية سواءً بالفصحى أو باللهجة لبنانية هي الخلطة اللازمة لإنجاح هذه الأعمال. الشركة السورية التي ذاع صيتها كثيراً بعد انخراطها في دبلجة المسلسلات التركية إلى اللهجة السورية، تمكنت من نشر هذه الموضة بشكل مطرد في العالم العربي. من منا لا يذكر مسلسل «نور» (2006) الذي حصد جماهيرية واسعة عربياً، ليفرش لاحقاً البساط الأحمر أمام «الغزو التركي».
هذه التوأمة لم تأت من عبث، بل كان رأسها المدّبر هو المنتج السوري الراحل وصاحب «سامة آرت انترناشيول»، أديب خير الذي تلقف بذكاء نجاح الجزء الأوّل من مسلسل «باب الحارة» قبل سبع سنوات، وراح يستخدم اللهجة الشامية في دبلجة الكثير من المسلسلات التركية. تنتشر الشركة السورية في بلدان عربية عدّة تشكّل مراكز استقطاب مثل لبنان، وسوريا، ومصر، والكويت، والإمارات، إضافة إلى
اليابان.
بعد الشهرة الكبيرة التي حققتها الأعمال التركية المعرّبة، جاء دور المسلسلات الكورية التي دخلت بدورها من الباب العريض إلى العالم العربي، رغم الاختلاف الجغرافي والثقافي بين الحضارتين.
اليوم، تغدو بيروت مسرحاً لصناعة هذه الأعمال بالنسبة إلى شركة «سامة» التي تمتلك فيها أربعة إستديوهات، وتستقطب الممثلين اللبنانيين، الهواة منهم والمحترفين. أمام هذا الواقع، تفرض أسئلة عدّة نفسها: كيف بدأت الفكرة؟ وهل تعدّ دبلجة الأعمال الكورية مغامرة في العالم العربي، وما هي أسباب النجاح الذي حققته؟
وليام عنيني، المشرف العام على الدوبلاج في الشركة المذكورة، يشرح في حديث مع «الأخبار» خلال زيارتها مقّر الشركة آلية صناعة الدبلجة من الكوري إلى العربي. في الأصل، تعود الفكرة إلى شركة «O3 للإنتاج» في دبي المنتمية إلى مجموعة mbc السعودية.
هذا الاختيار لم يأت من عبث، بل سبقته مجموعة أبحاث وقياس نسب المشاهدة، ليتم بعدها الإيعاز إلى الشركة السورية لتتولى التنفيذ.
ويضيف أن خطوات هذه الصناعة تبدأ من الحصول على أعمال كورية من مصدرها، وهي عادةً تُرفق بترجمة إلى اللغة الإنكليزية، بغية تسويقها خارج البلد الأم. وبما أنّ هذه الترجمة غير كافية طبعاً، تعمد شركة الدبلجة الى استشارة السفارة الكورية في لبنان للتأكد من صحّة الترجمة، وتحويل النصوص والحوارات إلى العربية الفصحى، لتبدأ بعدها عملية الإعداد.
هذه العملية تنطلق من توزيع للأدوار عبر الـ casting، ومطابقة حركة الشفاه (Lip - Sync)، وعملية الميكساج (دمج الصوت والصورة)، إضافة إلى وضع المؤثرات الصوتية لتحاكي تماماً أجواء القصة الكورية، وتنفيذها «بأقرب صورة ممكنة». بعدها، تخرج إلى الضوء أوّل حلقة تجريبية يشاهدها الخبراء وعيّنة من الجمهور العادي، للخروج بتقييم واضح ينفّذ على أساسه باقي حلقات المسلسل.
لكن كيف نجحت الأعمال الكورية ولاقت كل هذا الانتشار، رغم الهوة الثقافية واختلاف البيئة والذهنية بين العالم العربي وكوريا؟ يقول عنيني إنّ السرّ يكمن في «بساطة قصص الحب الرومانسية البعيدة من تعقيدات الحياة والسياسة»، كما أنّ المسلسلات الكورية تمتاز بالممثلين الشباب، والأهم أنّ الأعمال قصيرة على خلاف تلك التركية أو المكسيكية.
حالياً، تتولّى شركة «سامة» تنفيذ هذا النوع من الأعمال في بيروت، وهي تُعرض حصراً على قنوات mbc. وبما أنّه لهذه الأخيرة قوانينها في العرض، تُمارس كما هو معلوم رقابة على المحتوى والشكل. الرقابة تطاول النصوص التي يعدّل بعضها إذا تضمّن إيحاءات جنسية أو أحاديث حميمة، لكن بطريقة «لا تشوّه سياق القصة».
هكذا، تخرج الأعمال الكورية المعرّبة «نظيفة» من المشاهد الجنسية، والمواقف الحميمة كالقبل، خصوصاً أنّ الثقل الجماهيري لهذا النوع من المسلسلات موجود في الخليج.
هذه الرقابة التي تفرضها الشركة المنفّذة، تسبقها أخرى تمارسها O3 التي تختار العمل «بحرفية» بواسطة كادر متخصص يعمل على تقييمه قبل البدء بعملية الدوبلاج. والمعلوم أنّ الأعمال المستوردة تصنّف كورياً من الدرجة الأولى.
وبعيداً من الرقابة والقص، تتسلل طرائف ومواقف مضحكة أثناء الدبلجة خاصة، لا سيّما أنّ الممثلين الكوريين يشبهون بعضهم في الملامح إلى حدّ بعيد، من دون أن ننسى غرابة أسمائهم طبعاً. هنا، يروي وليام عنيني تفاصيل موقف طريف تعرّض له أحد الممثلين لدى قيامه بأداء صوت إحدى شخصيات في الحلقة الأولى، وتبيّن لاحقاً أنّه أدّى صوتي شخصيتين من دون أن ينتبه، والسبب هو أنّ الاثنين في الأصل توأم!