تتواصل الاكتشافات في موقع الفرير الأثري في مدينة صيدا، لترسم صورة متكاملة عن حياة الإنسان الذي أقام في المنطقة في العصر البرونزي. أكثر من عشر سنوات مرّت على عمل بعثة المتحف البريطاني في صيدا، أتاحت معرفة المزيد عن تاريخ المدينة. وقد كشفت مسؤولة البعثة كلود سرحال آخر ما توصلت إليه أعمال التنقيب من نتائج، وهي الوصول إلى معبد محجوب تحت الأرض، يعود تاريخ تشييده إلى العام 1300 قبل الميلاد في العصر البرونزي الحديث. ولفتت إلى أن هذا المعبد «نادر الوجود ويعدّ من المكتشفات المهمة التي تبرز أهمية المدينة عبر التاريخ، وكانت تمارس فيه طقوس دينية لفئة معينة في المجتمع الصيداوي قديماً». ميزة المعبد أنه اكتشف في العام 2015 الجاري كما ترك قبل الميلاد «غرفة مختومة ومغلقة» قالت سرحال. ولفتت إلى أن ما حماه من عوامل الزمن تشييد بناء فوقه يعود الى العصر الفارسي. جدران الغرفة مبنية من الحجارة الضخمة والجدران بعلو أقل من 4.50 أمتار وأرضيتها قائمة على عمق 7.50 أمتار تحت مستوى الطريق الحالية. وقد عثر في المعبد على مواد خشبية وخزفيات مصنوعة في صيدا «استوردت من قبرص مع أواني الطقوس الاحتفالية تستعمل للأكل والشرب ومزج السوائل من موقع ميسان في اليونان».
الموقع المحاذي لقلعة صيدا البرية، كشف قبل عشر سنوات سراً آخر من أسراره، غرفة قدس الأقداس حيث كان السكان يعبدون آلهتهم، تحت الطبقة الأرضية التي يعود تاريخها الى 1300 قبل الميلاد.
وتتواصل أعمال الحفر والتنقيب في موقع الفرير، إذ تحفر الأساسات لتشييد متحف صيدا بإشراف المتحف البريطاني بالتعاون مع المديرية العامة للآثار. الحفر كشف المعبد، ومن المنتظر أن يكشف أسراراً أخرى في باطن صيدا.
وفي تسلسل لاكتشافات الحفريات في هذا الموقع، يمكن أن نلخّصها بالآتي: في العصر النحاسي (3500 ـ 5500 قبل الميلاد) سكن الإنسان في منطقة الدكرمان المجاورة للبحر (أمام مكب صيدا الحالي للنفايات) وبنى هناك قريته ودفن أمواته داخل بيوته. ثم في العصر البرونزي (1200 ـــــ 3500 قبل الميلاد)، الذي يعرف أيضاً باسم الفترة الكنعانية ترك الإنسان القديم منطقة الدكرمان وبدأ موطنه في مدينة صيدا القديمة، واستعمل منطقة التل المرتفعة، لعدة غايات بحسب تطلباته. وفي العصر البرونزي القديم (2000 ـ 3500) بنى أهراءات ضخمة في تلك المنطقة. ثم في العصر البرونزي الأوسط (1500 ـ 2000 قبل الميلاد) تغيّر استعمال الموقع وأصبح جنائزياً، بعدما غمر أهالي صيدا مبنى الأهراءات وكامل الموقع بالرمل. وبقيت هذه العادات سائدة في الموقع حتى خلال فترة العصر البرونزي الحديث (1200 ـــــ 1500)، حينها تغير استعمال الموقع من جديد، إذ بنى أهالي المدينة مبنى ضخماً يصل طوله إلى 45 متراً، ويعتقد علماء الآثار أنه معبد المدينة.
حالياً، تشهد المدينة إقبالاً من المهتمين، وخصوصاً أن المشرفين على الموقع يسمحون بزيارة الموقع ومعاينة المعبد. ويقف على المدخل شرطي للحماية، فيما تروّج بلدية صيدا وهيئاتها للقيمة الأثرية تشجيعاً لاهتمام الصيداويين بتراثهم.