غزّة | أطفال مقدسيّون «قلبوها دندرة» في شوارع وأحياء قرية سلوان (جنوب المسجد الأقصى) في القدس المحتلة. بخفّة ظلّ عالية، يُطلّ علينا أولئك الأطفال في كليب «ألعاب الحارة» الذي نُشر أخيراً على يوتيوب، حاملاً توقيع فرقة الراب الفلسطينية «دندرة». ولمن لا يعرف مصطلح «دندرة»، فهو مصطلح سلواني خالص، يعني «هيصة وقايمة». غير أنّ هذه «الهيصة» ذات الروح التلقائيّة تمتزج بالألم المُستقى من واقع حياة الأطفال في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي الذي يُفرّغ القدس من ناسها ويضيّق الخناق عليهم.
بصيغة موسيقيّة سلسة ولهجة فلسطينية ظريفة، تؤدّي الفرقة أغنية «ألعاب الحارة»، مع انسيابية عالية في حركات أعضائها المنفلتة من رهبة الكاميرا، وكأنّ لا مكانَ للكاميرا وسط عفويّة الفرقة، إذ تطرح قضيّتها في قالب بصري لطيف خالٍ من الجمود أو التكلّف، ما يستدعي تفاعل المشاهد السريع معها.
تعتبر «دندرة» أوّل فرقة راب فلسطينية خاصة بالأطفال (بين 15 و17 عاماً)، تأسّست عام 2012 بإشراف مركز «مدى الإبداعي ــ سلوان» وإرشاد مغني الهيب هوب والروك الفلسطيني تامر النفار (فرقة «دام» ــ الناصرة). وتتميّز بعدم تجميل الواقع فنيّاً، إذ تطوّع موسيقى الراب وأسلوبها المغاير بقوافٍ فنيّة لصالح ترسيخ حق أطفال سلوان باللعب وسط الاستيطان.
بحركة سريعة للكاميرا ومتوائمة مع الإيقاع، تفتتح الفرقة أغنيتها التي ألّفها تامر النفار وأخرجها سهيل النفار، وذلك ضمن 9 أغانٍ سجّلتها لألبوم وحيد صدر لها. يغني أحدهم في ساحة اللعب «تفضل على الحارة/ المغربيات بتنزل درجة الحرارة/ بنلتم مع أولاد الجارة/ كلنا من وادي حلوة وبستان وبرضو عين/ يا ولد إهدى بدناش طوشة/ حقك علينا وهاي بوسة/ خلص امسحها بهاللحيّة»، لنجد أنّ في هذه النكهة المرحة والبعيدة عن أجواء البكائيات، أجادت الفرقة محاكاة الواقع السلواني الذي يعتبر صورة مقتطعة من واقع الأطفال الفلسطينيين. في مقطع آخر، يستكمل الأطفال فكرتهم ويضربون على وتر الاستيطان الذي يخنق ساحات لعبهم الضيّقة، فيغني آخر: «عقبال ما إلعب أستغماي/ أحط راسي على الحيط وأغمض عين/ أفتح والمستوطنات يخفوا». أمّا أكثر المقاطع التي اختلطت فيها خفّة الظلّ بمرارة الحال، فقد غنّته إحدى الطفلات: «روح على الدكان واثنين دُرايا (ذرة)/ الدرايا سخنة ومولعة نار/ الكل يرفع إيديه وينط/ بكرة بتشوف الصور على الفايسبوك/ أتأمل ألعب الزقطة/ أركض بسرعة وإذا انمسكنا/ اتطّلع لورا على الإيد اللي بتزقطني/ أشوف إيد صاحبي مش إيد شرطي».
تحاول «دندرة» ترسيخ أسماء حارات وأحياء سلوان المنسيّة، بمساعدة مركز «مدى الإبداعي» الذي يحتوي الأطفال بهدف رفض التصالح مع الواقع والتمرّد عليه من خلال الدبكة والفن والمسرح. مثلاً، نجد في «ألعاب الحارة» أسماء حارات وأحياء، تشمل: البستان، العين، وادي الحلوة ورأس العمود... مع المرور على أماكن مختلفة من قرية سلوان بجدرانها المكسوّة بعبارات الصمود المقدسي، وخصوصاً أن القرية تُعتبر حاضنة وحامية المسجد الأقصى من استباحات العدو.
وأنتجت الفرقة كليباً حديثاً لها مستقى من زيارتها لفرنسا لتقديم عروضها الفنية، فيما أثارت في أغنية «كتابي كتابي» قضية محو التاريخ الفلسطيني من الكتب المدرسية، استناداً إلى شعر ونثر محمود درويش وتميم البرغوثي وغسان كنفاني.
وبالعودة إلى «ألعاب الحارة»، تختتم الفرقة أغنيتها بعبارة لاذعة تكوي القلوب. «20 ألف طفل على ساحتين لعب، لحد ما يجي دوري وأتمرجح بكون تجوزت وصار عندي ولاد». جملة تصلح لإسقاطها على كثير من حلقات المعاناة الفلسطينية التي تشترك جميعها في ثيمة الانتظار القاتل.