«أدركت أنّه في الحروب لا يوجد منتصر، فالكل خاسرون. تعلّمت أنّ الفضيلة الوحيدة الموجودة في الحرب هي إمكانية انتهائها». تلك كانت العبارة الأكثر تأثيراً في الرسالة التي وجهها الصحافي والحقوقي ومدير «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» مازن درويش (الصورة) من خلف القضبان، عندما فاز بجائزة «برونو كرايسكي» للمدافعين عن حقوق الإنسان لعام 2013.
مع ذلك، لم تلتفت السلطات السورية إلى الاعتدال الذي طغى على خطابه، رغم أنّه يقبع منذ أكثر من عامين داخل المعتقلات، وفضّلت استمرار مراوغتها بخصوص محاكمته تحت بنود «قانون الإرهاب» في ظل المطالبات الحثيثة من المنظمات الإنسانية والحقوقية والصحافية العالمية بإطلاق سراحه والكف عن تأجيل مواعيد محاكمته. غير أنّ السلطات السورية تصم آذانها عن سماع أي نداء.
عشية تاريخ جلسة المحاكمة الأخيرة في 15 نيسان (أبريل) الحالي، وجّه «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» نداءً للمهتمين بهذه القضية، طلب فيه «عدم الالتفات إلى أي أخبار لا تصدر عن المركز نفسه»، قبل أن يصدر بياناً تلقت «الأخبار» نسخة منه جاء فيه أنّ قاضي «محكمة الإرهاب» رضا موسى «أجّل النطق بالحكم في قضية معتقلي المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى تاريخ 28 نيسان 2015، ليكون التأجيل الواحد والعشرين في محاكمة مازن درويش وزميليه هاني الزيتاني وحسين غرير منذ بدء القضية.
وهو أيضاً التأجيل الثامن على التوالي منذ صدور مرسوم العفو الرئاسي في حزيران (يونيو) 2014 الذي شمل العفو عن كامل مدّة العقوبة بتهمة «الترويج للأعمال الإرهابية» التي يُحاكم بموجبها أعضاء المركز».
وتابع البيان موضحاً أنّ «محاكمة درويش الفائز بجائزة «الأونيسكو» العالميّة لحريّة الصحافة لعام 2015 وزميليه، هي غير عادلة، وتناقض في حيثياتها شرعة حقوق الإنسان، إذ تنص المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ لكل شخص الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تُنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته». وشكك البيان في حيادية واستقلالية المحكمة التي تماطل في إطلاق أي حكم على الصحافي السوري، خصوصاً أنّها عجزت سابقاً عن الرد على المذكرات التي أعدّها فريق الدفاع في الجلسات السابقة.
من جهة أخرى، سبق أن نقلت السلطات السورية مازن درويش قبيل موعد محاكمته بفترة وجيزة من «سجن عدرا المركزي» إلى «سجن حماه»، وقد علت أصوات الناشطين حينها مندّدة بهذا الإجراء «القمعي»، لافتةً إلى سوء الأوضاع الأمنية حول سجنه الجديد، من دون أن يصدر أي توضح أو رد رسمي.
صحيح أنّ المحامي والناشط ميشال شمّاس المقيم في دمشق كان من أوائل الأشخاص الذين بادروا إلى نشر خبر تأجيل المحاكمة إلى تاريخ جديد عبر صفحته الشخصية على فايسبوك، إلا أنّه اعتذر عن عدم التعليق لنا على المفارقات والتجاوزات القانونية في سلوك السلطات الأمنية والقضائية ومماطلتها في القضية.
أما زوجة درويش الصحافية يارا بدر، فقد استغربت في حديث لـ«الأخبار» هذا «التعنّت في تنفيذ المرسوم الرئاسي الصادر في حزيران 2014 الذي يشمل كل التهم التي وجِّهت إليه»، معربةً عن حزنها «لاستمرار رفض إطلاق سراح مازن، وهو صوت سلمي مدني عقلاني في وقت أكلت فيه الحرب بلدنا، ولم يبقَ سوى صوت الرصاص وجنونه». وسألت: «إلى متى سيبقى البلد فارغاً من أصوات العقل والسلام؟». ورأت بدر أنّ هذه المماطلة «تشبّث بموقفٍ يتجاهل مسؤوليات الحكومة السورية تجاه الأمم المتحدة ومجلس الأمن في قراراتهما بهذا الشأن».
إذاً، موعد جديد لمحاكمة غير عادلة على بعد أيّام من الآن، هو غالباً لن يكون سوى دليل إضافي يثبت جَور التهم الموجهة إلى الصحافيين الثلاثة الذين عَرَف كل من عاصرهم دفاعهم عن الحريّات ونضالهم في سبيلها، وهو ما يراه النظام السوري تحريضاً على الإرهاب!