… وعلى نسق المدينة التي هي بوابة الجنوب، كما يسمّونها، كذلك هو الفرع الخامس من الجامعة اللبنانية في صيدا. هو بوابة الجنوبيين للعلم. لا نبالغ إذا ما قلنا بأن الغالبية الساحقة من الطلاب تسجّل في فرع الجامعة الخامس من القرى الجنوبية... إلا صيدا. ليس لذلك أية أسباب طائفية أو مناطقية أو اعتبارات «تمييزية» أخرى. ببساطة شديدة، يعود ذلك إلى أن أبناء صيدا بعد تخرجّهم من المدرسة، يسعون لاكتشاف عالم أوسع وتنوع أكبر. وهي تطلعات كل شاب أمضى عمره في مدينة صغيرة محدودة بأجوائها وناسها.
لذلك، غالباً ما يطمح لاختبار حياة من نوع آخر وبيئة أخرى. ويضاف إلى ذلك، أن الاختصاصات التي تقدّمها الجامعة اللبنانية بفرعها الخامس، هي اختصاصات محدودة نسبياً، حيث تقتصر على الآداب والحقوق والعلوم السياسية والعلوم الاجتماعية ومعهد الصحة والمعهد الجامعي للتكنولوجيا. وعليه، فإن الطامحين بدراسة الهندسة أو الطب أو الإعلام أو أي اختصاص آخر، عليهم الخروج من صيدا.
على المقلب الآخر، هناك طلاب القرى المحاذية لصيدا، الذين يرون تلك المدينة عالماً آخر مقارنة بقريتهم الصغيرة. فيقع خيارهم على الفرع الخامس باختصاصاتها المحدودة. هذا، عدا عن عدم وجود جامعات أصلاً في قراهم. ولربما خبر انتحاري الجامعة (الاشاعة) الذي خلق بلبلة في المدينة منذ شهر تقريباً، ما كان ليجد مسوّغاً في الاعلام وفي عقول الأجهزة الأمنية، لو لم تكن الجامعة اللبنانية في صيدا تحمل هذه الصبغة «الجنوبية»! هكذا، يحلو لنا التفكير، بما أننا في هذا البلد معتادون على التفكير بمنحى طائفي.

كلية الآداب والإنسانيات

من هذا المنطلق توجهنا إلى فرع كلية الآداب والعلوم الإنسانية، كونه الأكبر، للتأكد من هذه الفكرة أو ربما دحضها. لكن فكرة السؤال بحد ذاتها أزعجت إدارة الكلية.

أكد الدكتور عقل عقل المدير الجديد لكلية الحقوق وجود الكفاءات المطلوبة ودرجة «الأستذة» يحملها الكثير من الأساتذة المحاضرين في الكلية. واعتبر بأن موضوع الـ (أم 2) وإجراء الانتخابات الطلابية المعلقة منذ سنين هي من أولوياته للثلاث سنوات المقبلة.
وقد اعتبر علي حجازي، مدير الفرع هناك، أنه من «غير اللائق ولا المقبول التفكير بهذه الطريقة، فنحن نتحدث عن الجامعة اللبنانية التي تضم جميع الطلاب بغض النظر عن مناطقهم وطوائفم ومذاهبهم». مع ذلك، لم يكن التحسس من السؤال في مكانه، لأن السؤال انطلق من حقيقة أن غالبية طلاب صيدا تفضل الالتحاق بجامعات خارج المدينة ـ وباصات الصاوي خير شاهد ـ لعدم توافر الاختصاصات التي يريدونها كطلاب لعلوم لهندسة والطب والإعلام. عليهم أن يبحثوا عن هذه الاختصاصات في بيروت أو خارج البلاد. رفض الدكتور علي حجازي مقولة إن غالبية طلاب الفرع الخامس من القرى الجنوبية، معتبراً أن الجامعة «كالنهر الذي لا يمكن أن تحدد تدفق المياه فيه».
وبحسب حجازي، لم تُسجّل أية توترات سياسية في الكلية عموماً، وهناك جو من «الألفة والمحبة يخيمان على الكلية». ويعدّد: «هناك طلاب من جميع المناطق، من جزين والإقليم ومن مخيم عين الحلوة وطلاب سوريون أيضاً، كما أن الأجواء دائماً هادئة ولا توترات، وهذا عائد بالدرجة الأولى لقرار رئاسة الجامعة اللبنانية بتعليق الانتخابات الطلابية منذ حوالى العشر سنوات وحتى إشعار آخر»!
وعليه، لقد جرى الاتفاق على توارث مجلس طلاب الفرع. وهذا «السلام» الحاصل مرده أيضاً، لالتزام الطلاب قرار الجامعة بعدم إجراء أية ندوة سياسية أو حزبية واقتصار الندوات على الأدبية والعلمية منها.
لم يشأ حجازي الخوض في هذا النقاش. وفضّل التركيز على الإصلاحات التي قام بها ومكافحته للفساد الذي كان سائداً. فهو يفتخر بالإنجازات الحاصلة في عهده، حيث تم استحداث معهد اللغات لتقوية اللغة الأجنبية المحكية لجميع طلاب الفرع، إضافة إلى استحضاره صف الماستر لقسم الآثار. هذا القسم المهمل إلى حد ما.
أما في ما يختص بحاجات الجامعة اللبنانية، لا يشكو الرجل كثيراً من شحّ الموارد، فبفضل إدارته الحكيمة وحرصه على المال العام. فإنه يسعى لتلبية حاجات الجامعة من صيانة مولدات ومصاعد وخلافه لتكون الجامعة بمصاف الجامعات الأخرى لهذه الناحية. ولكن، للطلاب رأي آخر، فهؤلاء يعارضون مديرهم لجهة التنوّع، فالهوية «جنوبية»، وهذا «أمر طبيعي نظراً لكبر المنطقة وعدم وجود الجامعات فيها».

كلية الحقوق والعلوم السياسية

وفي فرع كلية الحقوق، الذي يعد من الفروع الأكثر جدلاً وحفاوة بالأحداث، يحدث الشيء ذاته. يشدّد الدكتور عقل عقل على أن الفرع في صيدا كما في كل المناطق، هو «جامع» لكل الطلاب، تماماً كما هي حال الجامعة الأم «كمؤسسة الجيش الوطنية». كما يرى الدكتور عقل بأن الجامعة اللبنانية بشكل عام تُحارب وتهمّش كونها من المؤسسات الوطنية. ورغم ذلك، فقد نجحت بتخريج كفاءات بمستويات عالية تشغل عدداً من المناصب المهمة في أوروبا عموماً.
أماّ بالنسبة إلى أعضاء مجلس الفرع، الموضوع واضح وجلي بأن حوالى 70% من طلاب كلية الحقوق هم أبناء القرى الجنوبية وهذا ما انعكس في التمثيل الطلابي لمجلس الفرع المتوارث منذ عشر سنوات. كما انعكست هذه الصبغة «الجنوبية» هدوءاً نسبياً في الجامعة، رغم كل الأحداث الصعبة، التي مرت على مدينة صيدا في السنوات الثلاث الماضية. التوتر الوحيد، الذي كان قائماً في تلك الفترة، كان بين رئاسة مجلس الفرع وإدارة الجامعة، والتي على حد قول أعضاء مجلس طلاب الفرع، «كانت لأسباب سياسية بحتة نظراً للانتماء الحزبي المعاكس للمدير السابق، إلا أننا نستبشر خيراً مع الادارة الجديدة»، يقول أحدهم.
يلتزم مجلس الفرع المؤلف من 12 عضواً، ممثّلاً برئيسه محمد حسن، بتمثيل جميع الطوائف الموجودة في الفرع بمقعدين، كما يحرص المجلس على التمثيل النسائي في المجلس بمقعدين.
بشكل عام، ليس هناك من مشاكل سياسية حقيقية في فرع كلية الحقوق. لأن الموضوع السياسي، خصوصاً في ما يتعلق بالمواضيع «الصيداوية» الحسّاسة (كالأسير والإسلاميين وخلافه) ممنوع تداوله من الأساس. ركّز الطلاب على معاناتهم في الجامعة اللبنانية التي اعتبروها محرومة من أبسط الأشياء التي يفترض توافرها بأية جامعة. فمثلاً، اللوحات الاعلانية والمقاعد الموجودة داخل المبنى هي جميعها تقدمة من شخصيات وأحزاب مختلفة بفضل علاقات رئاسة المجلس السياسية. لا تكييف ولا تدفئة. ليس هناك حتى ملعب. «تخيّلوا العلامات لم تنزل على «السيستم» بعد بسبب أعطال الإنترنت المتكررة هذا إن وُجد». كل هذا عدا عن كون المبنى في الأساس مستأجراً من جمعية «دار رعاية اليتيم» في صيدا.
وأمّ المشكلات بالنسبة للطلاب هي حرمانهم من الـ (أم 2) وعدم استجابة رئاسة الجامعة لمطالبهم. بالرّغم من اعتصاماتهم المتكررة. وتستفز الطلاب كثيراً تبريرات الجامعة لهذا الأمر على كونه «يضرب مستوى الـ (أم 2) في حل تدريسه في صيدا، نظراً إلى عدم وجود أساتذة مؤهلين لإعطائه. وعليه يتكبد طالب كلية الحق المشقة إلى بيروت لمتابعة هذا الصف». علماً أن أغلب الطلاب يتكبدون مشقة المجيء إلى صيدا من صور والنبطية لعدم وجود كلية حقوق من الأساس.