لا يجيد أحد التعامل مع جمهور السينما والتلفزيون الحديث كما تفعل ميليسا مكارثي. هي ببساطة تعرف من أين تؤكل الكتف. تقدّم مكارثي فيلمها الجديد Spy (جاسوسة ــ كتابة وإخراج بول فيغ) كواحدٍ من أهم أفلام هذا العام كوميدياً (أعطاه موقع النقد السينمائي Rotten Tomatoes مثلاً 95 في المئة «طازج»، وهو المعروف بأنّه صعب الإرضاء).
تؤدي مكارثي دور الفتاة العادية سوزان كوبر، التي تمتلك الذكاء الكافي ليجعلها تقع على واحدة من أهم الوظائف في العالم وأخطرها: محلّلة لدى الاستخبارات الأميركية. مع هذا، فإن الكثير من الأمور ــ ومن بينها الجانب الجسدي ــ تجعلها بعيدةً عن تحقيق أحلامها الكثيرة.
إنّها الفتاة العادية التي تقع عليها في الحياة اليومية في الشارع، وتسمع تعليقاتها «الفجة» وتضحك لها، لكن قد لا يتمكن كثيرون من النظر إليها أبعد من ذلك؛ لربما هذا سرٌ من أسرار نجاح مكارثي: هي بكل بساطة تقدّم «نفسها» بشكلٍ مباشر. تستعمل مكارثي في الفيلم كل شيءٍ فيها: جسدها، وصوتها، وشخصيتها المباشرة التي تمزج بين القوة والتعليقات غير المناسبة في أغلب الأحيان. هي معتادة على أنّ الناس لا يصغون جيداً لما تقوله، لذلك تقول كلماتها «بعصبية» خجلة ولكن محببة كثيراً لدى الجمهور. تتعاون مكارثي في الفيلم مع المخرج بول فيغ الذي عرفت الشهرة على يديه من خلال فيلميه Bridesmaids (عام 2011 بالتعاون مع كريستين ويغ)، لتتبعه بـ The Heat في 2013 مع ساندرا بولوك. يعرف فيغ تماماً كيفية إظهار الأفضل لدى مكارثي، ويضع بين يديها الجملة المناسبة في كل موضع؛ كما أنّه يعرف «خلطتها السحرية»: فهي تجيد المشاهد الثنائية كثيراً.
من يتابع فيلم «جاسوسة» يمكنه ملاحظة هذه المسألة. قلّما تعمل مكارثي وحدها، فهناك دائماً «شريك» في المشهد؛ وسواء كانت موجودة في المكان نفسه أو عبر سماعة الأذن، تستطيع ميليسا دائماً التواصل مع مشاهديها.
في البداية، تظهر عاشقة/ موظفة مكتبية صغيرة أمام الجاسوس الخارق (يذكرنا كثيراً بجايمس بوند) برادلي فين (الممثل البريطاني جود لو). نكاتها خجولة تتبعها بضحكاتٍ قصيرة متقطعة، لكن شخصيّتها كانت أقرب إلى «الأم» أو «الأخت الكبرى» منها إلى «العاشقة». هذا الجانب الذي يستحوذ على انتباه المشاهدين ويأسرهم، سرعان ما يتغيّر بشكلٍ «جنوني» مع تطور سياق الفيلم. تصبح مكارثي جاسوسة بشكلٍ مفاجئ، لكن حتى مع الإضافة الجديدة تبقى محاصرةً ضمن كليشهات المجتمع نفسه، فشخصيتها السرية مثلاً هي امرأة مطلّقة تعيش مع قططها (تبدو في تلك الشخصية مشابهة لشكل المغنية البريطانية سوزان كولينز).
تخاصم مكارثي كل شيء في الفيلم تقريباً، لكنّها لأسبابٍ كثيرة تنجح في التغلب على تلك المصاعب: زميلها «الرجولي» أكثر من اللازم ريك فورد، في دورٍ أكثر من رائع لجايسون ستاثام (لربّما تكملة لأدائه الكوميدي اللذيذ في أفلامه Crank)؛ خصمتها المباشرة راينا بويانوف (الأوسترالية روز بيرن) التي تمتلك القوّة والجمال شأنها في ذلك شأن منافستها الجاسوسة كارين ووكر (البرازيلية مورينا باكرين). ولمن يريد مشاهدة الفيلم، ننصحكم بألا تخرجوا من الصالة فور انتهائه لأنّه هناك مفاجأة تنتظركم في الجينيريك.

* صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «بلانيت» (01/292192)، «سينما سيتي» (01/995195)، «فوكس» (01/285582)