يستسهل الفرد منا البحث عن مطعم أو مقهى، لأنه سرعان ما سيجده . والحال نفسها بالنسبة إلى أماكن التسوق . فهذه الأخيرة، إن لم يجدها بنفسه، فستتكفل الإعلانات بذلك. فأينما ذهبت، ستجد إعلانات على الطرقات وفي كل مكان . ولن تجد صعوبة أيضاً في البحث عن محال للهواتف الخلوية التي تنبت في كل يوم كالفطر . ببساطة، لن تمرّ في أيٍّ من أحياء بيروت من دون أن تجد كلّ ما تحتاج اليه. إلا أنك لن تجد مكتبة! وحتى السائلون عن عناوين لمكتبات، ولا سيما طلاب الجامعات، يدركون تماماً أنها تتمركز في نقاط محددة من العاصمة بيروت أو ضواحيها.

« اللسان دليل السائح «. هكذا مثلاً تعوز هذه المقولة في جولة البحث عن مكتبة . بطبيعة الحال، أنت بحاجة إلى «حمل» لسانك والسير به في رحلة البحث عن المكتبة . ولا تستغرب إن سألت عن مكان مكتبة داخل أحد الأحياء، وأشار عابر ما بإصبعه إلى مكان يبيع القرطاسية أو ما نسميها «الأكسسوارات المدرسية». بديهياً، سيحصل هذا الأمر، ولا شيء مستغربٌ البتة .
سُئل أرسطو : كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: «أسأله كم كتاباً يقرأ وماذا يقرأ؟ «. قد يتحجج مواطن لبناني بقلّة الوقت، وآخر بالهموم الكثيرة المترتبة عليه من أجل توفير لقمة العيش. وبالتأكيد، ستكون القراءة الهمّ الأخير لمواطنين يعملون من « الفجر للنجر «، كما يقال، وغيرهم كُثر.
أما آية التي تعمل على إنجاز بحث الدكتوراه، فهي بحاجة إلى مراجع متخصصة لا تجدها داخل مكتبات الضاحية وجوارها، الأمر الذي يضطرها إلى الذهاب إلى مكتبات الجامعات الخاصة، بما أن اللبنانية تفتقر إلى تلك المراجع . تقول: «اشتركت أخيراً في أكثر من مكتبة للحصول على معلوماتي، والمكتبات الجامعية الخاصة تتبع سياسة الإعارة فقط مع طلابها، أما الزائرون من خارج الكلية مثلي، فتسمح لهم بالقراءة داخل حرمها فقط». آية التي يتركز بحثها في ما يتعلق بالإنتروبولوجيا، لم تكن تجد قسماً مخصصاً في الإنتروبولوجيا في المكتبة العامة الوحيدة الموجودة في ضاحية بيروت الجنوبية، « مكتبة السيد محمد حسين فضل الله «، وهذا ما جعلها تزور أكثر من مكتبة للحصول على مصادر المعلومات.
في رحلة البحث عن المكتبة في بيروت وضاحيتها، نجد أن القانون حدّد المسافة بين صيدلية وأخرى، أو ذكر المساحة الفاصلة بين مكان تجاري وآخر .
يقفز السؤال سريعاً إلى الذهن عن عدم تنظيم قانون لإنشاء المكتبات ومراعاة توزعها بين المناطق اللبنانية، في الوقت الذي تمتنع فيه البلدية عن الدخول في مشروع بناء مكتبة لأسباب مادية في غالب الأحيان .
بالانطلاق من ضاحية بيروت، من طريق المطار التي توجد فيها مكتبة الشيخ بهاء الدين العاملي، وهي مكتبة كبيرة قياساً إلى المكتبات الأخرى، ويمكن وصفها بالمكتبة المتخصصة . نجتاز الحاجز بالدخول إلى حارة حريك حيث تقبع مكتبة العلامة السيد محمد حسين فضل الله التي تصبو إلى الوصول إلى مكتبة المليون كتاب . وفي الشارع نفسه، طوّرت بلدية حارة حريك مركز المطلعة والتنشيط الثقافي إلى 3 طبقات، في خطوة مهمة .
باستثناء وجود مكتبتين في الشارع نفسه في حارة حريك، لا يمكن أن تجد مكتبة سوى التي تبيع القرطاسية من ناحية، بينما استُبدلت النارجيلة بثقافة المكتبة والكتاب من ناحية ثانية.
هكذا، مثلاً يؤول إليه الحال في حي السلم، فضرب من الخيال أن تجد مكتبة هناك أو في حي الجورة!
أكمل البحث نحو منطقة الحدث، فلن تجد مكتبة عامة. ننتقل إلى بيروت الكبرى . هناك سنجد ثلاث مكتبات عامة، منها مكتبة جمعية السبيل ـ الباشورة، مكتبة الجعيتاوي في الأشرفية، ومكتبة عامة في مونو. يبلغ مجموع الكتب في الثلاث نحو 40 ألف كتاب. رئيس جمعية السبيل أنطوان بولاد، يشير إلى «أن جمعية السبيل تدير وتنظم وتنشّط شبكة مكتبات تصل إلى 25 مكتبة في مختلف مناطق لبنان، وتركّز في مكتباتها المنتشرة على إقامة دورات وأنشطة ثقافية دورية بهدف جذب الرواد إلى مكان ديناميكي «. برأي بولاد، « الكتب عالرف لا تشد الجمهور وحدها، لذا نحاول ذلك بأنشطة ثقافية».
أما عن التوزع في منطقة بيروت للمكتبات، فإن البلدية أنشأت مكتبتين موزعتين بحسب المناطق «ضربة عاليمين وضربة عالشمال، أي لدى المناطق المسيحية في الجعيتاوي والمناطق الإسلامية في الباشورة، إلا أننا حتى اليوم لم نصل إلى الهدف المرجوّ، إذ إن رواد المكتبة يصل إلى 30 ألف شخص، وهو مؤشر مقبول . لكن من غير المقبول ألّا يتطوّر الجمهور «، يقول أحد العاملين في بلدية
بيروت .
« جيل الشاشات» اليوم يستسهل شراء جهاز ذكي بمبلغ لا يقل عن 600 دولار أميركي، بينما يستصعب شراء كتاب بـ20 ألف ليرة لبنانية. يجد سهولة في رواية أحداث تاريخية وتحليلات داخل الوضع السياسي والنووي حتى، في الوقت الذي ليس لديه وقت للمطالعة وتعزيز معلومات من شأنها أن تجعله محللاً يوماً ما! وحبذا لو عمم المعنيون ثقافة المكتبة داخل الأحياء التي من شأنها إعطاء انطباع حسن عن هذه المنطقة أو أخرى... بدلاً من أن يقال : « آه بعدك بتقرا؟ حلو !».