مارسيل محمد
«خبزة وزيتونة وحصيرة»، كلمات للغزل اللبناني المَلحَمي. في «ساعة الجدّ» لا بد أن تتحوّل «الحصيرة» إلى شقة كبيرة. لا يخاف الشباب اللبنانيون من الزواج لأسباب «سوسيولجية» إنما بسبب الشقة... «وبلا ما نضحك ع بعض». الحالات كثيرة. جمال (30 سنة)، هو «موظف دولة» عادي جداً. يساعد أهله في مصاريف المنزل. قررّ أخيراً وصديقته الزواج، فاصطدم بالدفعة الأولى «الخياليّة».

لا يتجاوز مدخول جمال الشهري 1500 دولار أميركي (وفي لبنان هذا رقم كبير ويضع صاحبه في مصاف الطبقة الوسطى عرفاً). كيف سيدفع 25 ألف دولار في البداية، بالإضافة إلى الدفعة الشهرية حوالى 800 دولار؟ وهذا في الحد الأدنى. حاول جمال أن يحصل على قرض من الإسكان. الدفعة الأولى مجدداً: بين 15 ألف و20 ألف دولار أميركي. «الإسكان» يُحدد المبلغ بحسب مدخوله الشهري، الذي بالكاد يكفي حتى آخر الشهر، باللبناني «الدارج». والمشكلة، أن جمال، يسير حسب معايير «الدارج». لا يريد أن «يسكن في علبة كبريت». ويريد شقة قريبة من بيروت، إذ إنه لا مِترو في المدينة، ولا «RER»، ولا وسائل نقل محترمة، ولا من ينقلون. وطبعاً، يجب أن يكون الحيّ الذي تقع فيه الشقة العتيدة، يحوي مستلزمات الحياة لأي حيّ سكني. يحلم جمال بحديقة عامة وموقف سيارات قرب المنزل. أحلام صغيرة ولكن «هونولولو» أقرب. وبحسب «العقلية الشرقية»، يريد جمال غرفة للضيوف، وموقع مميز. لم يوضح إذا كان هذا الموقع هو «تراس» مثلاً، فهذا «دارج» لبنانياً أيضاً. «هالشقة للعمر كلّو»، يقول الشاب، الذي ينوي الاستقرار لوقتٍ طويل، في شقة أحلامه، فهو لا يريد أن يهاجر، ويناشد «الدولة» التدخل. ولكن، في «خضم» هذه الأحلام، تبقى الأولوية هي تأمين الدفعة الأولى، والتي لا تكفي لشراء الـ«view».
وفقاً للمهندس المعماري، شارلي داباغيان، مشكلة الشقق السكنية في لبنان سببها «عدم وجود دراسة علمية ديموغرافية من جهة، وسعي أصحاب العقارات إلى الربح السريع من جهةٍ أخرى». يفهم اللبنانيّون الشق الثاني تماماً، أما الأول، فهم جزء منه. يشدد داباغيان على ضرورة استحداث قوانين تحدّ من العمران في لبنان، وتحديد حاجات السكان. وتالياً، تحديد النسب المطلوبة من الشقق السكنية الكبيرة للعائلات والشقق المتوسطة أو الصغيرة للأفراد، من طلاب وعمال وغيرهم. والأهم من كل ذلك، وهو ما يبدو حلماً ضخماً هو الآخر، هو «الرقابة المطلوبة من قبل الدولة على تطبيق هذه القوانين وفق الآلية الصحيحة». يعتقد المهندس أنّ هذه «النظرة تغيرّت بفعل التطوّر». والذي «يستطيع شراء شقة كبيرة قادر على شراء الصغيرة»، وليس العكس. الحل، ربما، بالثقافة. وعلى نقيض داباغيان، يتحدث المهندس بشار عبد الصمد عن مساهمة السوق في بناء الشقق، إذ «لا يوجد الآن تناسب بين العرض والطلب في سوق العمران»، لكنه اعتبر أنه حتى في حال وُجدت القوانين لتنظيم عملية بناء الشقق الفردية، فستبقى حاجات المواطنين هي الأساس، والتي تحدد مواصفات الأبنية. أصحاب العقارات يفضلون الشقق الكبيرة لتلبية حاجات العائلات، فـ«بناء شقة تزيد مساحتها عن 200 متر يكون أفضل لصاحب العقار من بناء شقتين في طابق واحد، الأمر الذي يعطي رغبة للمشتري بالحصول على خصوصية أكبر داخل المبنى». عدنا إلى «الدراج» في العقل «الشرقي» هنا.
وبين جمال الحالم والمهندسيّن الواقعييّن، تعيش 28.5 % من الأسر اللبنانيّة تحت خط الفقر. ولا أحد يعرف كيف تعيش، وللمناسبة، أين ستفعل ذلك، إذا استمر الحال على ما هو عليه؟ «الدارج» لا يكفي. لن يجد الناس بيوتاً، وعليهم البحث... في «هونولولو»!