إضافةً إلى مواهبهم في شنّ الحروب وقتل الآلاف، يمتلك عدد من وجوه إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن (1946) مواهب فنيّة لافتة. الرئيس نفسه صار تشكيلياً. بعد ثلاث سنوات من مغادرة البيت الأبيض، قرّر أنّه يستطيع الرسم. سار على خطى ترتشل، متأثّراً بمقاله «الرسم كهواية». البداية كانت «خربشات» على جهاز الـ«أي باد»، ثمّ تطوّر الطموح بسرعة إلى معرض بعنوان «فن القيادة: الدبلوماسية الشخصية لرئيس» الذي احتضنته المكتبة الرئاسية في مدينة دالاس في ولاية تكساس الأميركية في نيسان (أبريل) الفائت.
«الدبلوماسية الشخصية» هي أسلوب بوش في التقرّب من قادة العالم وكسر الجليد معهم. دعوتهم إلى المزرعة الخاصّة في تكساس وسؤالهم عن العائلة والهوايات. مرافقة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) المحب للطبيعة في رحلة بريّة لنقاش الحرب على العراق.
رسم الرئيس السابق شخصيات عدة بينها فلاديمير بوتين
إصطحاب رئيس الوزراء الياباني السابق جونيتشيرو كويزومي إلى بيت ألفيس بريسلي في غرايس لاند (لا بدّ أنّه مشهد محبب لجيم جارموش). حديث عائلي مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي. يتخلّل كل ذلك ضغطاً على دول، والإتفاق مع أخرى على تدمير العالم. هذا وجه الثعلب لعنجهية وسمت فترة حكم بوش الإبن (2001 ــ 2009) وحروبه الجنونية حول العالم. الوحشية الناعمة للكاوبوي اللطيف الذي يذرف الدموع على ضحاياه. «صورة دوريان غراي» القابعة في البيت الأبيض.
بكل نرجسيّة، لم يتأخر بوش في رسم نفسه مع انطباع يجمع بين التسامح والجبروت، بين الوداعة والحزم. البورتريه خير تعبير عن النظرة الأميركية المريضة للذات. رسم الأب «القدوة» ليس غريباً أيضاً. الأخير صاحب إنجازات دموية يُعتد بها. الحليف البريطاني الأثير طوني بلير صديق مخلص. إذاً، هو يستحق بورتريهاً محبباً. ليس كفلاديمير بوتين الذي يغار حتى من كلب بوش، و«يعتبر أمريكا عدواً ينتصر في العالم على حساب روسيا» على حد تعبير الرئيس الأميركي السابق. هكذا، حمل بورتريه الرئيس الروسي نوعاً من السخرية والإزدراء. المستشارة الأميركية أنجيلا ميركل مفعمة بالإيجابية والتفاؤل كما بلادها. 24 من قادة العالم يظهرون «زيتياً» وفق معايير بوش الفنيّة وتقييمه الشخصي. مثل رعونته في الرئاسة، يقدّم قراءة سطحية لشخصيات عامة ومؤثّرة. يحاول التغطية على أدائه الرئاسي الكارثي بهواية مرتجلة. ولتكتمل الشعوذة، جورج يعلّمنا الحكمة أيضاً. يمكنك دائماً أن تبدأ أمراً جديداً في حياتك. «الكلب العجوز يتعلّم مهارات جديدة». غير بعيد عن الرئيس، تبرز وزيرة خارجيته ومستشارة الأمن القومي السابقة كوندوليزا رايس (1954) كعازفة بيانو متمكّنة. هي تعزف منذ الصغر، وفي أرشيفها حفلات وأمسيات موسيقيّة مع موسيقيين ومؤدّين محترفين، مثل عازف التشيلو الفرنسي ــ الأميركية «يو يو ما» وملكة السول أريثا فرانكلين. لا شكّ أنّ ضباط الإستخبارات تحرّوا عنهم جيداً قبل أن تمنحهم «كوندي» شرف الشراكة الفنيّة. لم تفوّت رايس فرصة استعراض موهبتها حتى في الأمسيات الدبلوماسيّة وحفلات السفارات. ها هي الملكة إليزابيث تستمتع بعزفها أيضاً. صورتها مع البيانو معبّرة للغاية. إمرأة صارمة تقرأ النوتة بتركيز حاد. تتعامل مع الآلة الموسيقية كأنّها أمام حرب في «الشرق الأوسط الجديد» الذي روّجت له كثيراً. الأمانة تقتضي الاعتراف بأنّها متمكّنة «ميكانيكياً» منها. ولكن مهلاً، مواهب الوزيرة لا يمكن أن تنتهي، لأنّها «ببساطة... كوندي». إنّها تجيد التمثيل كذلك. مشهدها مع أليك بالدوين في 30 Rock، ينمّ عن ميول فنيّة أخرى. لا بأس في اقتحام السينما في المستقبل. رولان بارت وفيلهلم رايخ كانا ليحارا في دلالات كل ذلك. ولكن في المحصلة، يا له من عالم قاس. لقد أسبغ صفات وحشيّة وألصق تهماً ظالمة بهؤلاء الفنّانين المرهفين بسبب بضعة حروب «ضروريّة». من سوء حظنا أنّ ديك تشيني يعاني من مشاكل قلبيّة، وإلا كنّا استمتعنا كثيراً بمهاراته في الباليه!