لا بدّ أن يكون جوسيبي جيانيني قد اختبر جميع أنواع المشاعر منذ وصوله إلى لبنان وحتى يومنا هذا.هو شعر بأنه «أمير» فعلاً لشدّة الهالة التي رسمها حوله البعض يوم وطئت قدماه بيروت. هو شعر بأنه لديه «جيش» يدافع عنه يوم خاب اللبنانيون لعدم التأهل الى كأس العالم وكأس آسيا. هو قد يشعر اليوم بشيء جديد، الشعور بـ «الخيانة» بعد انقلابٍ اتفق عليه «راكبو الأمواج».

لم يكن احدٌ بانتظار نتيجة المباراتين أمام قطر أو السعودية للمس ردّة فعل قسمٍ غير صغير من المحازبين السابقين لمدرب منتخبنا الوطني، فهم إذ كانوا مستعدين سابقاً لتخوين أحدهم في حال تناول الإيطالي بكلمةٍ سلبية واحدة، باتوا حاضرين لرجمه لمجرد شعورهم بأن مؤشر الجو العام يدلّ على انهيار أسهمه لدى معتمديه.
«هيا نركب موجة جيانيني». هذا هو شعار المرحلة السابقة التي اعتمدها هؤلاء «المحللون» عند تسمية الإيطالي على رأس الجهاز الفني لمنتخبنا، وسط انقسامٍ حاد وقتذاك بين مؤيدين أخذ معظمهم هذا المنحى لحسابات شخصية دون سواها، وبين معارضين ذهب أغلبهم في هذا الاتجاه بحسابات علمية.
والحديث هنا لا يصوّب على شخصٍ معيّن، بل يصف حالة منظومة شكّلها أشخاص، نقّبوا عن إيجابيات لتدعيم موقفهم، فذهبوا تارةً الى تمجيد ارتفاع مستوى اللياقة البدنية للاعبينا بفضل جيانيني وفريق عمله، وتارةً أخرى لتعظيم ذاك العبقري الذي علّمنا كيفية تنفيذ الكرات الثابتة.
المعارضون لم يكونوا أحسن حالاً بتطرّفٍ ضد الإيطالي لحسابات مختلفة الأوجه، منها شخصية أيضاً، وتحديداً ضد مُستقدميه. وهذا التطرف قابله رأي معترض ومتحفّظ على تعيين جيانيني، لكن دون مهاجمته، فقط لحماية المنتخب في مرحلة حساسة. والتحفظ المنطقي المذكور استند الى معايير علمية؛ لعل أبسطها هو السيرة الذاتية التدريبية للأخير، التي لا يمكن مقارنتها مثلاً بأي شكلٍ من الأشكال بمرشحٍ آخر لذاك المنصب، وهو الفرنسي هنري ميشال (قاد فرنسا الى ذهبية أولمبياد 1984 وإلى المركز الثالث في مونديال 1986)، الذي نادراً ما دخل مكاتب اتحادٍ وطني من دون ان يوقّع عقداً معه...
«هيا نركب موجة إغراق جيانيني». هذا هو التوجّه الجديد لـ«راكبي الأمواج» أخيراً، اذ اضافوا كلمةً واحدة الى شعارهم السابق بمجرد سماعهم كلمة عدم رضى عن جيانيني، وأجواء تتحدث عن بحثٍ لفك الارتباط معه. هم نسوا ربما ان غير الراضين حالياً لم يأخذوا برأيهم يوم التعاقد مع هذا المدرب، والأكيد ان أحداً لن يذهب الى إقالة الرجل على خلفية الشعارات المرفوعة ضده من قِبَلهم.
شتّان ما بين الأمس واليوم. ما بين اعتبار كل واحدٍ منهم ان جيانيني ينحدر من قريته ويحمل رقم السجل عينه، فحذار التعرّض له. وما بين اتهامه حالياً باختطافه لمنتخبنا من خلال العقد الذي يربطه به.
هم يريدون تجميع النقاط لا أكثر، يهابون الهبوط، لكن ربما فاتهم أن الممسكين بملف المنتخب هم أصحاب القرار الذي يخدم المصلحة العامة، بحيث إن أحداً منهم لا يرضى بأن يُذلّ منتخبه، بغض النظر عن تمسّكه برؤيته والإيجابيات التي رآها في المرحلة الماضية.
«جيانيني هيا نركب الطائرة». شعارٌ جديد قد يطل في مرحلةٍ قريبة في حال شيوع نبأ ترحيل المدرب الإيطالي. غداً سيبدّلون كلامهم إذا حُكي عن بقائه...
القصة نفسها ستتكرر بعد جيانيني. الألماني ثيو بوكير يمكن أن يروي الحكاية كلّها.
هم بارعون في ركوب الأمواج أكثر منه في كرة القدم.