فرحت الأرض في الأيام الماضية. تناوب المطر والشمس على بث الروح فيها مجدداً بعد أشهر الجفاف والقيظ. وحالما دقت حبوب المطر بابها، خرجت مكنوناتها وخيراتها لتسرح في الطبيعة. في بساتين قرى شرقي الزهراني حتى جنوبي صيدا، تكزدر البزاقات في البساتين والحقول والأودية. خرجت من مخابئها تحت التراب وبين الصخور، تبحث عن المطر وندى الفجر.
في المقابل، خرج ذوّاقة البزّاق في أثرها. أبو ربيع في درب السيم خرج خلفها، حاملاً عدته: الجزمة في القدمين والقفازات في اليدين والقبعة على رأسه والدلو في يديه. يبحث عنها بين العشب والصخور ويتعقب «كزدورتها» على جدران الحدائق وسياج البساتين، لكي يجمعها كما يقطف ثمار الشجر. يتبعها عند الفجر لأنها تتبع الندى قبل أن تنكفئ إلى مخبئها مجدداً مع شروق الشمس. وإذا امتدت أول شتوة، يضطر أبو ربيع إلى البحث عنها تحت المطر. وهذا ما يفعله الكثيرون في مختلف المناطق اللبنانية. أبناء الطائفة المسيحية يجمعونه ليزيّنوا به موائدهم، فيما يجمعه المسلمون، الذين لا يأكلونه، لبيعه مستفيدين من هذا الموسم.
بعد قطفه، يجمع البزاق في قفص خشبي حتى يصوم أي يتقوقع داخل صدفته، ما ينتج دهناً إضافياً في لحمه وتضاعفاً في حجمه، فتزداد لذة مذاقه عند الطهو.
تتقلص أعداد
البزاق بسبب
انتشار المبيدات الزراعية



القرى المسيحية في المنطقة تنتظر «أول شتوة» حين يخرج البزاق بكثرة ليتغذى من الأعشاب والتربة. يجمعونه ويطهونه بعد تنظيفه وسلقه بالماء. ثم يقدمونه كواحد من الأطباق الموسمية المفضلة لدى الكثير منهم. بعضهم يجمع البزاق من أرضه ومحيط بيته ويستخدمه بنفسه أو يوزعه لأقربائه، ولا سيما سكان المدن، ومنهم من حوّله إلى تجارة موسمية في التشارين بعد أول شتوة وفي الربيع. التجار يتقلص عددهم عاماً بعد عام، مع تقلص أعداد البزاق، بسبب انتشار المبيدات الزراعية التي ترش في البساتين والحقول وتؤذي البزاقة. فيما يفرض العمال الزراعيون السوريون منافسة قوية. كمعدل عام، يباع الكيلو الواحد الذي يزن حوالى 100 بزاقة، بما بين ستة آلاف إلى ثمانية آلاف ليرة. يتباين السعر بحسب نوعها: بزاقة بيضاء أو سوداء. في حقولنا، توجد البزاقة السوداء بكميات أكبر من البيضاء.
لا يهم النوع أو السعر. المهم أن جرس الكنائس في طنبوريت وبنعفول والمعمرية والعدوسية ودرب السيم والصالحية وعبرا ومغدوشة والهلالية ومجدليون وبقسطا وعين الدلب والبرامية والقرية والمية ومية وكفريا والنجارية وعقتنيت وكرخا وجرنايا والحجة... لا يزال يدق في سماء أهاليها الذين يتمسكون بعاداتهم من رحم الأرض، وأن أرض صيدا – الزهراني لا تزال لكل من أنجبته.
هذا التمسّك بالأرض هو الذي ولّد قبل عام فكرة إنشاء مزارع للبزّاق في لبنان، تبيع إنتاجها إلى الدول الأوروبية. إذ تعدّدت التقارير الإخبارية عن استعداد إيطالي لشراء البزّاق، وخصوصاً أنه لا يستخدم فقط كطبق غذائي، بل يستفاد منه في صناعة بعض الأدوية ومستحضرات التجميل.