المعلّم عبدو، ملك النخيل على بياض منذ عشرين عاماً، يشرف على تزويج وتشحيل وقطف 1200 شجرة بلح في منطقة الزهراني في جنوب لبنان. مع نهاية كلّ عام يشهر عبدو ـ المولود وسط نخلات صعيد مصر ـ شفرته، يمتطي حبل الأمان ويعربش على الباسقات لتشحيلها من السعف اليابسة.
في شهر نيسان يعاود العربشة بالطريقة ذاتها، هذه المرة لإتمام مراسم الزواج (التدكير) في العلالي. يأتي باللقاح الذكري من أغلفة شجر النخل الذكر الذي لا تعرف له وظيفة غير التبذير، ويرشّه على شكل غبار في جوف «قطف» النخلة الأنثى.
وفي مثل هذه الأيام، وقبل حلول المطر، يهرول المعلم صعوداً لقطف الثمار، يجزّها بالشفرة وينزل القرط بالحبل إلى الأرض سالماً. لكن المعلم قد يواجه أفاعي وجرذاناً كامنة في الأعلى فيعالجها بسيفه الذي يحمله تحسّباً. يصل طول النخلة إلى 21 متراً، وتنتج واحدتها ثماراً بين 300 إلى 500 كيلو. يتسلقها عبدو حافي القدمين مختاراً توقيتاً صباحياً لتفادي حرّ الشمس.

أجود البلح هو الزغلولي الذي كتب له الفنان إيلي شويري أغنيته الشهيرة «يا بلح زغلولي، حبك وصفولي». يليه جودة السماني البرجي، وكلّها تقطف وتؤكل مباشرة.
أما بنت العيش وحياني فيصندقان للتطمير ويرش فوقهما روح الخل والكربونة.
لكن ما السرّ في أن أبطال تسلّق النخيل في الجنوب عموماً هم من أبناء الكنانة؟ وكيف لم تصل المزاحمة السورية في مختلف القطاعات إلى نخيلنا بعد؟
الجواب من فم المعلّم عبدو: «يا عمّ، احنا والنخل خوات».