يعود أول عمل تمثيلي مباشر لواقعة كربلاء في بلدة مجدل سلم إلى عام 1952. لم يستمر هذا العمل طويلاً بسبب الأحداث المحلية، ليعود وينطلق من دون توقف في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. هذا ما يقوله رئيس «جمعية الزهراء» الشيخ علي ياسين. ففي عام 1985 قرّر تسعة شبان من البلدة تمثيل الواقعة على طريقتهم الخاصة، مستفيدين من حماسة الأهالي ومشاركتهم الواسعة. حقّق الأمر نجاحاً لافتاً، وحضر المسرحية المئات من أبناء المنطقة، ما شجع المتطوعين على الخضوع لدورات متخصصة في التمثيل، وحمّس عشرات الأهالي على التطوّع لهذا العمل الذي ذاع صيته في معظم القرى الجنوبية.
يشير موسى ياسين، أحد المؤسسين، والكاتب المسرحي، الى أن مؤسسي فرقة التمثيل في البلدة استشهد منهم 4 مقاومين في حروب خاضوها مع العدو الاسرائيلي. لكن «جمعية الزهراء»، التي تنظّم المسرحية كل عام، استطاعت ورغم الظروف الصعبة التي واجهتها أن تصبح من أهم الفرق المسرحية والتمثيلية اللبنانية، وباتت مسرحياتها تعرض في أكثر من بلد في العالم، بعدما خضع المتطوعون فيها لدورات متعددة، في العمل المسرحي. وقد تجاوز عملها واقعة كربلاء، إذ لعب أفرادها مسرحية «جرح وأرض» التي عرضت في قصر الاونسكو في بيروت، ومسرحية «فجر المقاومة» التي باتت تعرض في طهران لمناسبة ذكرى الثورة الاسلامية في ايران.
يحرص ياسين على كتابة المسرحية بشكل مختلف كل عام. يضيف إليها ما يجرى الاتفاق عليه من قبل اللجنة المشرفة، اذ تؤخذ بعين الاعتبار التطورات السياسية والاجتماعية التي تتعرض لها المنطقة. «للمسرحية هدف رئيسي هو توعية الأهالي على قضايا المنطقة، ومآسيها، وتحريك مشاعر الحضور نحو العمل المقاوم»، يقول ياسين.
بالنسبة إلى التحضيرات، يشير ياسين الى أن «عدداً كبيراً من المشاركين في تمثيل المسرحية يتفرغون لها بالكامل قبل أيام من بدء عاشوراء، ومنهم من يترك مهجره، خارج لبنان، ليشارك في التمثيل والعمل على انجاح المسرحية الحسينية، وبشكل مجاني».
استطاعت الجمعية خلال السنوات الماضية أن تؤمن جميع مستلزماتها، من اللباس والمعدات الالكترونية، وحتى تجهيز مكان المسرحية (5000 متر مربع)، والتلال المحيطة به، بالبنى التحتية اللاّزمة، إضافة الى وجود طاقم بشري متخصّص في التصاميم والديكور والأزياء والتجميل، وفرق تهتم بالضبط الاداري والتوثيق والكتابة والإخراج، والصوتيات والإعلام. وجميع هؤلاء خضعوا لدورات متخصصة، وفي أكثر من مكان. وعلى مرّ السنوات، خرّجت الجمعية العشرات من هواة التمثيل، الذين باتوا يشاركون اليوم في أعمال فنية مسرحية وتلفزيونية، مثل «الغالبون» و«قيامة البنادق».
ولما كانت خدمة آلاف المشاهدين والاهتمام بهم، تتطلب تأمين الطعام والشراب، أقيم مطبخ خاص يؤمن الطعام لأكثر من 20 ألف مشاهد، إضافة الى انشغال معظم نساء البلدة بطبخ «الهريسة» في منازلهن، وتقديمها مجاناً للوافدين الذين وصل عددهم، العام الفائت، الى 60 ألف من جميع المناطق اللبنانية، من بينهم عدد من مسيحيي المنطقة. وتقول ايمان ملحم أن «معظم عائلات البلدة تتحضّر منذ المساء لطبخ الهريسة وتوزيعها عند الظهر على الوافدين الى البلدة». كما يعمد عدد من أبناء البلدة الى التطوع لاقامة الولائم لاطعام معظم المشاركين في مجالس العزاء الحسينية، بعد حصولهم على تبرعات من الأهالي والجمعيات الخيرية.
في أسفل وادي القيسية، خراج البلدة، شيّد المسرح الحسيني الدائم، الذي تتحوّل الجبال المطلّة عليه الى مدرّجات يجلس الأهالي على صخورها. أما الممثلون يرتدون ثياب التمثيل الخاصّة بمصرع الحسين وأنصاره. الدروع القديمة المصنوعة يدوياً، والسراويل والعمامات الخضراء والسوداء، ويحملون السيوف وبعض الرماح الحديدية ويتوجهون الى الوادي المجهّز بالخيم والنخيل الطبيعي الذي أصبح من طبيعة أرض الوادي بعدما زرع منذ سنوات عدة.
نشاط آخر تتميّز به المجالس العاشورائية التي يقيمها السيد مصباح الأمين كل مساء، مستفيداً من خريجي «ندوة العلية» الأدبية. إذ يضفي هؤلاء لوناً خاصاً على المجالس من خلال التباري في القاء القصائد والكلمات الأدبية، من وحي المناسبة، والتي تختتم عادة بولائم جماعية.