يختلف كثيرون عند سؤالهم عن أفضل لاعب وطئت قدماه الملاعب اللبنانية. لكن رغم هذا الاختلاف لا بدّ من أن تجد اسم وارطان غازاريان الأكثر تداولاً في هذا المجال، وهو الذي سحر عشاق الكرة المحلية في كل مرة لعب فيها بقميص هومنتمن والحكمة ومنتخب لبنان.وسواء أحببت الفريق الارمني المذكور أو لم تحبه يوماً، وسواء شجّعت «الأخضر» القادم من الاشرفية أو فضّلت عليه فريقاً آخر، لا يمكنك أن تكره وارطان.

مشهد مرّ على المتابعين كثيراً في الملاعب المختلفة. وارطان يسجّل وجمهور الفريق المنافس يصفّق له إعجاباً وتقديراً لما فعله. هو أصلاً لم يكن يوماً لاعباً عادياً أو هدافاً عادياً أو نجماً عادياً. هو وارطان الذي كان يعتبر الخصوم أن غيابه عن مباراةٍ ما هو نعمة بالنسبة اليهم، لأن نصف قوة الفريق المنافس ستختفي بمجرد عدم مشاركته.
وارطان على المستطيل الاخضر كان أكثر من هداف، كان صانعاً للألعاب، وقائداً بصمت. يجتهد من دون أن يكثر الكلام ويقتل حراس المرمى من دون سابق إنذار. صاحب الرقم 14 الشهير مع هومنتمن والحكمة، والرقم 10 مع المنتخب، لا يزال يجد صعوبة في التحدث بالعربية، لكن ما تركه في الملاعب هو لقطات تتحدث عنه وتروي قصة رائعة لنجمٍ لن يتكرر.
عام 1992 وصل وارطان الى لبنان كلاعب أجنبي أراد هومنتمن تعزيز صفوفه به، لكن لم تمضِ أكثر من سنتين لكي يصبح الارميني لبنانياً لا بل ملهماً لمنتخب الوطن الذي تحوّل أفضل هدافٍ له بـ19 هدفاً. وهذه الاهداف لا يعرف وارطان أجملها، إذ يقول: «لا يمكنني نسيان هدفي في مرمى الاكوادور أو ذاك الذي سجلته أمام قبرص ولا الهدف أمام الكويت. كل هدفٍ كان له خصوصيته بالنسبة الي».
قوة وارطان لم تكن فقط في فنياته وحسّه التهديفي المرهف، إذ بقي حتى الـ39 من العمر يتمتع بلياقة بدنية عالية، حيث يحكي مدربوه السابقون أن احترافيته في العمل وجديته في التمارين منحتاه قوة لم يكن اللاعبون الصغار السن يتمتعون بها. ومن بعض هؤلاء المدربين يقول وارطان إنه تعلّم الكثير، فهذه الدروس يستثمرها اليوم في فريق طرابلس الرياضي حيث يعمل مساعداً للفلسطيني اسماعيل قرطام، وتبدو لمساته واضحة، وخصوصاً في طريقة تعامل المهاجمين مع المباريات. «تعلمت الكثير من عدنان الشرقي واميل رستم، وأنا سعيد بالدور الذي منح لي في طرابلس حيث أعيش حالياً وأشعر بنفس الشعور الذي عرفته أيام هومنتمن حيث الجو العائلي الممتاز»، يشدد وارطان.
كل تلك النجومية لم تغيّر من طباع وارطان يوماً، إذ حتى اليوم لا يزال خجولاً عند كلامه مع محدثيه، متواضعاً ومستعداً للمساعدة. هو أيضاً لا يزال يتمتع بتلك اللمسة الساحرة على الملعب وبرشاقته اللافتة بحيث إنه لم يكسب سوى القليل من الكيلوغرامات، وقد أثبت هذا الامر قبل أشهرٍ قليلة في مباراة استعراضية أقيمت على ملعب صور البلدي تخليداً لذكرى الحارس الراحل محمد دخل الله.
17 عاماً من التألق في ملاعبنا، ترك بعدها البلاد الى أرمينيا لمدة 4 أعوام، ثم عاد. الحنين أعاده الى لبنان، والحنين يعيده الى ذكريات كثيرة جميلة، ولو أن بعضها يتقاطع مع خيبات مثل فقدانه فرصة الفوز بالدوري مع الحكمة في الأمتار الاخيرة، وخسارته مع منتخب لبنان أمام الكويت 3-5 بعدما تقدّم منتخبنا 2-0 في بداية اللقاء.
حنين وارطان غازاريان الى الكرة اللبنانية يوازي حنينها اليه، وتمنياتها بأن تنجب الملاعب يوماً عبقرياً مثله رغم استحالة هذا الامر. هو يتمنى عودة اللعبة الى أيام زمان، وهي تتمناه... لكن، وارطان لا يتكرر.