كادت كرة القدم أن توقف قلبه عام 2008، يوم كَشَف فحصٌ طبي عن وجود خللٍ في عمل القلب عشية انتقاله إلى باريس سان جيرمان، ما دفعه إلى الاعتزال. لكن بقلبٍ كبير يسير حالياً في قضايا لا يمكن أحداً أن يوقف قتاله من أجلها: التمييز، العنصرية، والاضطهاد.هذه هي العناوين الثلاثة التي يحملها النجم الفرنسي السابق ليليان تورام من بلدٍ إلى آخر، بعدما قضى 18 عاماً متنقلاً في الملاعب العالمية من أجل تحدٍّ من نوعٍ مختلف. أما تحديه الجديد، فلا يقلّ شأناً، إذ يعتبره بنفس أهمية ما واجهه لاعباً مع موناكو وبارما ويوفنتوس الإيطاليين وبرشلونة الإسباني، إضافةً إلى المنتخب الفرنسي الذي رفع معه كأس العالم عام 1998 وكأس أوروبا عام 2000.

كل هذا يختصره بعبارة «الثورة من أجل المساواة»، فيبدو تورام كأنه ماكسيميليان روبسبيار العصر الجديد، الذي كان أحد أبرز الرجال في الثورة الفرنسية، وأول من أطلق الشعار الفرنسي الشهير (عام 1790): «الحرية، المساواة، والأخوّة». لا بل يبدو مثل مارتن لوثر كينغ، فهو يقول إنه يبحث عن المساعدة في منح الحرية للمضطهدين اجتماعياً وجنسياً، وعن منح المساواة لكل أفراد المجتمع، من خلال الحقوق المفترض أن تعطى للجميع. كذلك، فإن الأخوّة تكون عبر عدم التفرقة بين أبيض وأسود، إذ إن الكل إخوة في عالمٍ واحد.
يبدأ تورام حديثه بعيداً من كرة القدم، وتحديداً من أهمية زيارته لبيروت، فيقول: «أنا سعيد لوجودي هنا، وبالدعوة التي وجّهت إليّ لتقديم كتابي «نجومي السود». من المثير للاهتمام أن نتناقش بقضايا العنصرية، التمييز العرقي والجنسي. وبالتأكيد هنا في لبنان حول الإشكاليات المرتبطة بالدين. لذا أدعو الفئة الشابة إلى عدم الانغلاق في الطائفية أو الانغلاق على الآخر استناداً إلى لون بشرته».
لكن لماذا لبنان، وماذا يربط هذا البلد بالعناوين العريضة التي وضعها لثورته؟
يجيب تورام بسرعة: «أعلم أن هناك خصوصية كبيرة في لبنان بسبب التنوع الديني الذي لا يفترض أن يخلق مشكلة. يبدأ الخطر عندما نقول للجيل الصاعد إن الآخر يختلف عنك. يجب أن يعلم هؤلاء الشبان أن الآخرين هم مثلنا تماماً، ويبتعدوا عن الحساسيات التي يثيرها التمييز العنصري في الرياضة تحديداً». ويتابع: «لقد حكى لي كثيرون هنا عن الدور الذي تؤديه النواحي الطائفية، وهذا أمر مؤسف عندما نحكي عن انغلاق ضمن هوية طائفية، لأن هذه الهوية أصلاً هي إحدى الخصائص الصغيرة ضمن الهوية الحقيقية للإنسان. لذا أشدّد على التزام شعار لا للطائفية».
استصعب التنبؤ بإمكان ولادة جيل ذهبي آخر للكرة الفرنسية، لكنه لا يستبعد فوز «الديوك» بكأس أوروبا 2016 التي ستقام على أرضهم


تورام لم يسلك الطريق الذي قادت زملاءه السابقين في الجيل الذهبي لمنتخب فرنسا، الذين تحوّلوا أسماءً مهمة في عالم التدريب، أمثال ديدييه ديشان ولوران بلان، رغم الخبرة الكبيرة التي اكتسبها لاعباً، والتي يمكن أن تقدّمه مدرباً كبيراً. وفي هذا الإطار يوضح: «أفضل استثمار ما تركته لي كرة القدم في نواحٍ مؤثرة إيجاباً في المجتمع. ما أفعله اليوم ليس مهنة، ولا أدري ما ينتظرني مستقبلاً، لكن حالياً أكثر ما يثير اهتمامي هو تلك النقاشات ونتائجها التي ستدفع نحو عالمٍ أفضل». ويضيف: «أنا أستفيد من صورتي كلاعبٍ سابق، إذ عندما أصل إلى مدرسة أو جامعة، ألمس تأثيراً سريعاً في الطلاب الذين يهمهم سماعي لمجرد أنهم يعرفون مسيرتي. حالياً أنا أدرب الناشئين على النشأة الاجتماعية البعيدة عن الآفات السيئة».
الحديث الكروي مع تورام يذهب مباشرة إلى المنتخب الفرنسي، الذي لا يبدو قلقاً عليه «لأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، إذ قدّم المنتخب مونديال جيّد ومستواه في تقدّم مستمر». أما الكلام عن إمكان ولادة جيل ذهبي جديد للكرة الفرنسية، فيقول: «من الصعب التنبؤ بهذا الأمر، لكن آمل أن يفوز هذا المنتخب بكأس أوروبا 2016 التي ستقام على أرضنا، ويمكنهم فعلها».
بطل الفوز على كرواتيا (2-1) في نصف نهائي مونديال 1998 (سجل وقتذاك هدفيه الدوليين الوحيدين)، لا يحبّذ الحديث عن أمورٍ كروية لا تخصّه، مثل تفضيله لنجمٍ على آخر أو ترشيحه لأحدهم للفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم مثلاً، فهو يركّز على فرنسا، ويرى أن منتخبها يملك لاعبين كباراً «مثل ريبيري الذي ظُلم في عدم الحصول على الكرة الذهبية العام الماضي، إضافة إلى كريما بنزيما الذي يعدّ عنصراً مهماً في ريال مدريد».




نيكولا ساركوزي عدوّه السياسي الأول

صحيح أنّ ليليان تورام هو سفير لليونيسف منذ 2010، لكنه أكد في حديثه إلى «الأخبار» أنه ليس لديه أي طموح سياسي، وذلك رغم مواقفه المعروفة، ومنها عام 2005 عندما وقف معارضاً لوزيرة الداخلية الفرنسية وقتذاك نيكولا ساركوزي، عندما وصف الأخير أبناء الضواحي بالحثالة. كذلك تحدى ساركوزي نفسه عام 2006 عندما دعا على نفقته الشخصية 80 شخصاً لحضور مباراة فرنسا وإيطاليا، كان الرئيس السابق قد طردهم من منازلهم لمخالفتهم القانون. كذلك فهو يدعم مواقف إقليم كاتالونيا، وأيد علناً استقلال روسييون (شمال كاتالونيا) عن فرنسا.