لم تكن المباراة بين روما وتشيزينا في الدوري الإيطالي لكرة القدم، أواخر الشهر الماضي، بالتأكيد، لتأخذ حيّزاً من الاهتمام، لو لم يكن الرئيس البوليفي إيفو موراليس جالساً في مدرجات ملعب «أولمبيكو» في العاصمة الإيطالية لمتابعتها. وجود موراليس في الملعب حوّل هذه المباراة من «عادية» إلى «غير عادية»، إذ دائماً ما يكون حضور الزعماء والسياسيين في المدرجات أمراً نادراً، ويحدث ذلك على وجه الخصوص في المناسبات الكبرى، وتحديداً في بطولة كأس العالم والبطولات القارية، حيث يكون هؤلاء مضطرين لـ«دواع وطنية» إلى مؤازرة فرقهم، وبعضهم قد لا يفقه الكثير في اللعبة، وهذا ما بات «عرفاً» كرّسه العديد من السياسيين في الأعوام الأخيرة، أو على الأقل الإدلاء بتصريحات تشد من أزر اللاعبين أو تهنئهم بالفوز وتواسيهم للخسارة.
هنا مشاهدة هذا الرئيس أو ذاك الزعيم أصبحت من «كليشيهات» الملاعب، على عكس مشهد موراليس في ملعب «أولمبيكو» الذي حضر المباراة بصفته متذوقاً للكرة وعاشقاً لها، لا بصفته يؤدي واجباً واطنياً يملي عليه مؤازرة منتخب بلده في المدرجات.
إلا أن موراليس، الذي يتقن كذلك لعب الكرة، ليس وحده في هذه الخانة، كثر من السياسيين غيره شغوفون بالساحرة المستديرة بعيداً من المونديال والبطولات القارية الكبرى، ويتابعون تفاصيل فرقهم المفضلة ولاعبيها، وهم ليسوا بالضرورة مشجعين لفرق النخبة، بل قد تلعب النشأة ومكان الولادة دوراً في تحديد هوية الفريق الذي يحظى بأن يكون هذا السياسي أو ذاك مناصراً له.
هذا ما يخبرنا عنه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، فهو ليس مناصراً لمانشستر يونايتد أو جاره سيتي أو تشلسي أو ليفربول أو أرسنال، إذ إن الفريق المحبّب لديه يعدّ من الصف الثاني في إنكلترا، وهو أستون فيلا. أما السبب، فهو أن المباراة الأولى في حياته التي حضرها كاميرون في الملعب، عندما كان في الـ 13 من عمره، كانت لأستون فيلا برفقة خاله ويليام داغدايل الذي كان مالكاً للنادي.
كاميرون حريص، رغم كثرة انشغالاته، على متابعة أخبار فريقه، وقد نقلت عنه الصحف قبل أيام شعوره بالحزن على النتائج السيئة التي يسجلها أستون فيلا هذا الموسم، قائلاً: «لقد كانت النتائج الأخيرة سيئة جداً، ونحن على مقربة من منطقة الهبوط. أنا أصلّي من أجل أن يحقق فيلا الفوز».
ويحاول كاميرون استغلال أي فرصة تصادف فيها أوقات فراغه مع مباراة أستون فيلا لحضورها تماماً كاصطحابه في إحدى المرات نجله آرثر لمشاهدة المباراة أمام كوينز بارك رينجرز حيث بدا انفعالهما واضحاً مع الفريق.
لكن رئيس الوزارء الإسباني ماريانو راخوي يخالف نظيره البريطاني، حيث إن فريقه المفضّل ليس فريقاً عادياً، اذ هو ريال مدريد. الكشف عن هوية فريق راخوي جاء على لسانه، لا عبر استقصاءات الصحف، عندما صرّح بصورة غريبة قبل مباراة ريال مدريد أمام جاره اللدود أتلتيكو في نهائي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي: «علينا أن نرفع القبعة لأتلتيكو مدريد على كل ما قدمه حتى الآن، لكنني أتمنى فوز ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا».
بعضهم للدعاية والبعض الآخر يهوى أخبار الكرة وممارستها


الا أن راخوي يبقى «نقطة في بحر» سلفه خوسيه لويس ثاباتيرو الذي اشتهر بتعصّبه لبرشلونة وحضوره مبارياته وحتى إطلاق تصريحات مستفزة للغريم ريال مدريد، وقد صادفت ولايته مع الحقبة الذهبية للكاتالوني بقيادة جوسيب غوارديولا.
في فرنسا، يهوى الرئيس فرنسوا هولاند الكرة، حتى أنه لعبها في شبابه مع فريق روون. هولاند لم يخف في احد تصاريحه أنه يحب فريق نانت وقبله غانغان لكنه يشتكي «في النهاية، عندما أعجب بفريق، فإنه يسقط».
أما في مقابلة مع صحيفة «فرانس فوتبول» فقد أظهر هولاند إلمامه التام بالكرة ولاعبيها عندما سألته: «هل فعلاً انت تشجع موناكو؟»، فردّ قائلاً: «نعم، لقد كان ذلك لفترة مع الفريق الذي ضم دافيد تريزيغيه وتييري هنري»، مستذكراً أيضاً أجيالاً أخرى في النادي مثل جيل ميشال هيدالغو وجيل الألماني يورغن كلينسمان والإنكليزي غلين هودل.
من فرنسا إلى الجارة ألمانيا، التي تحظى دوماً برؤساء حكومات «كرويي الهوى»، آخرهم المستشارة أنجيلا ميركل التي خطفت الأضواء في مونديال البرازيل وكانت نجمته الأول من بين الشخصيات، عبر مؤازرتها منتخب بلادها حتى الوصول إلى اللقب العالمي. لكن على صعيد الأندية يحكى في ألمانيا أن ميركل تشجع فريق اينرجي كوتبوس، الذي منحها عضويته الشرفية، وتميل لمصلحة بوروسيا دورتموند. لا دليل حسياً على المعلومة الثانية، إلا أن تصريحها العام الماضي الذي قالت فيه إن استمرار سيطرة بايرن ميونيخ والفارق الشاسع بينه وبين باقي الفرق سيؤثر سلباً على «البوندسليغا»، يوحي وكأنها من مناصري فريق المدرب يورغن كلوب، علماً أن لاعبها المفضّل هو النجم البافاري باستيان شفاينشتايغر.
أما قبل ميركل، فقد اشتهر المستشار غيرهارد شرودر بعشقه لدورتموند وفريق هانوفر، الذي منحه عضويته الشرفية بدوره.
لكن العشق للكرة عند السياسيين من الممكن أن يتحوّل إلى أبعد من مجرد متابعتها، بل إلى ترك السياسة ومزاولتها. هذا ما حصل بالضبط مع رئيس الوزراء البلغاري السابق، بويكو بوريسوف، الذي تحوّل إلى لاعب كرة قدم في فريق الدرجة الثانية البلغاري فيتوتشا بيستريتسا بعد استقالته من منصبه العام الماضي، وليصبح بسن الـ 54 عاماً أكبر لاعب في تاريخ الكرة البلغارية.
إنها الكرة إذاً في ملعب الساسة، لكنها تبقى هنا، كما هي دوماً: «اللاعب الأول».




عندما يجتمع الساسة على مأدبة الكرة

ماذا لو صادف أن اجتمع السياسيون أثناء مباراة مهمة في كرة القدم؟ لا مانع هنا من الدخول إلى غرفة مجهزة بتلفاز ومتابعة المباراة. نعم، هذا ما حصل بالضبط في عام 2012 في نهائي دوري أبطال أوروبا بين بايرن ميونيخ الألماني وتشلسي الإنكليزي الذي صادف مع قمة «مجموعة الثمانية» في الولايات المتحدة، حيث جلس رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى جانب نظيرته الألمانية أنجيلا ميركل لمتابعة فريقي بلديهما في إحدى غرف البيت الأبيض، وقد انضم إليهما لاحقاً الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الفرنسي هولاند، حيث بدت الحماسة والانفعال واضحين على الرؤساء أثناء المباراة، وقد تداولوا في مجرياتها عقب صفارة النهاية. وماذا لو صادف اجتماع القادة بعد أمسية من مباريات دوري أبطال أوروبا؟ هنا أيضاً لا مانع من الانتقال من دهاليز السياسة إلى الكرة، وحتى افتتاح الجلسة بالحديث عن المباريات، وهذا ما كان عليه الحال خلال اجتماع ثلاثي ضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره السابق الإيطالي سيلفيو برلسكوني عام 2009.