ليس سهلاً على أحمد، ابن الثالثة عشر ربيعاً، أن يستغل أيام العطلة المدرسية لجمع الحطب من الكروم البعيدة، ويحملها على كتفيه، ليعود أدراجه بين قصور «الويك أند» إلى منزله الصغير الذي تتوسط واحدة من غرفه مدفأة حديدية قديمة وصغيرة كانت تعمل أصلاً على المازوت، لكن والده حوّلها إلى مدفأة تعمل على الحطب توفيراً للمال.
كذلك ليست سهلة مشاهدة العديد من الأهالي وهم يتسابقون على قطع بعض الأشجار الكبيرة، في وقت يتباهى أصحاب المحال التجارية بعرض مناشير الحطب العاملة على الكهرباء والمازوت للبيع، وكأنهم يدعون الأهالي الى الإيغال في ارتكاب جرائم قطع الأشجار والأحراج. فيتساءل الناشط البيئي حسن محمود: «كيف يسمح للتجار بعرض مناشير الحطب المتوحشة، في وقت يتم توظيف العشرات من مأموري الأحراج لضبط المعتدين على الأشجار».
يعترف التاجر محمد عربيد (الشهابية) بتهافت الأهالي على شراء مناشير الحطب العاملة على المازوت والكهرباء، لافتاً إلى أن «ثمن منشار واحد أقلّ بكثير من ثمن الحطب أو المازوت، الذي قد يضطرون الى شرائه للتدفئة فيما لو لم يتمكنوا من تجميع الحطب بسواعدهم».

قبل سنوات قليلة، كانت كروم العنب والتين والرمان والزيتون، المحاطة بأشجار الكينا والحور، تساعد المزارعين في تأمين مؤونة الشتاء من الطعام، كما تساعدهم في تأمين الحطب لتدفئة أطفالهم. لكن «انتشار الأبنية الاسمنتية في كلّ مكان، وتراجع اهتمام الأهالي بالأراضي الزراعية، وزيادة أعداد المهاجرين والنازحين من قراهم، ساهم في تلاشي هذه الكروم ويباس الأشجار المثمرة» بحسب المزارع حسن حميد (بيت ليف). يلفت الأخير إلى أن «أصحاب المنازل والقصور الجديدة، الذين باتوا اليوم يملكون معظم أراضي المنطقة، فضّلوا زراعة أشجار الزينة الدخيلة في حقولهم وحدائقهم، مثل أشجار الليلندي والآكاسيا والنخيل، وهي أشجار لا تصلح للحطب، ولا يمكن تشحيلها، واستخدام غصونها، كما هي حال أشجار التين والزيتون والرمان». كما يؤكد أن «اختفاء الأشجار المثمرة، جعل العديد من الأهالي يقصدون أحراج رميش وعيتا الشعب وبيت ليف والقوزح وياطر، وأعتقد أن المساحات الحرجية التي جرى قطعها بعد التحرير هي أكثر من تلك التي قطعها العدو أثناء الاحتلال».
اللاّفت أنه يوجد في منطقة بنت جبيل مركز حرجي وحيد، يواظب على الخدمة فيه أربعة عناصر فقط، مسؤولين عن حماية الأشجار والأحراج في 36 قرية وبلدة. ويؤكد حميد أن «مئات الدونمات المزروعة بأشجار السنديان والخروب والزعرور، استبيحت بالكامل خلال السنوات الماضية». ترافق ذلك مع زيادة نسبة مبيع مواقد الحطب، التي باتت «تعادل خمسة في المئة مقارنة بمبيع مواقد المازوت» بحسب التاجر نبيل بوصي. يؤكد الأخير أن «هذه النسبة زادت إلى 40 في المئة تقريباً، حتى إن العديد من الأهالي أصبحوا يشترون المناشير العاملة على الكهرباء والبنزين لقطع الأخشاب، واضطررنا إلى شراء ماكينات خاصة لتصليح جنازير موتورات مناشير الخشب».
ينبّه حسن عوالة إلى خطورة التراخي في ترشيد المواطنين ومراقبتهم، خصوصاً أنهم بدأوا يقصدون خلسة أحراج وادي الحجير، رغم انتشار القنابل العنقودية فيه، وضبط العديد من المواطنين أثناء قيامهم بقطع أو تشحيل الأشجار الحرجية المعمرة. ويلفت الى أن «عدد مأموري الأحراج قليل جداً، وعدد موظفي محمية الحجير لا يزيد على اثنين فقط»، وهذا ما أكده رئيس اتحاد بلديات جبل عامل علي الزين لـ«الأخبار» عندما أشار إلى «وجود موظفين فقط، موكلين مراقبة محمية الوادي الكبيرة».
داخل محمية الحجير، يشرف الموظف ياسر زهوي على عمال استأجرهم الاتحاد لتنظيف الوادي من الأوساخ، في وقت ينتشر عدد من قطعان الماعز مع رعاتهم بوضوح بين أشجار المحمية الكثيفة، إضافة إلى «تسلّل عدد من المواطنين إلى انحاء مختلفة من الوادي لجمع الحطب وقطع غصون بعض الأشجار». يبدو جلياً أن المكلفين بحماية أشجار الوادي، غير قادرين على مراقبة كل المخالفات. يشير زهوي إلى أنه «يعمل ليل نهار مع رفيقه على مراقبة الآليات وأعمال الحفر والقطع» لافتاً الى أن «إدارة المحمية سوف تجمع رعاة الماعز لتنذرهم الإنذار الأخير قبل توقيع المخالفات»، وإن كانت «نسبة أعداد المعتدين على أحراج الحجير تراجعت كثيراً، ما اضطر العديد من الأهالي الى شراء الحطب من تجار الحطب الذين يقصدون المنطقة».
يبلغ سعر متر حطب الليمون أو الزيتون الواحد 110 دولارات أميركية، ويشير زهوي الى أنه «يحتاج في فصل الشتاء الى أكثر من 500 دولار، لشراء حاجته من الحطب»، مؤكداً أن «عدداً من المزارعين يستغلون موسم قطاف وتشحيل الزيتون لجمع ما تيسّر من الحطب، حتى أن بعض العمال يأخذون الحطب بدل أجرة عملهم في تشحيل الزيتون». ويشير الى أن «أفضل أنواع الحطب هو حطب السنديان، وهو غالي الثمن، اذ يصل ثمن المتر الواحد الى 300 دولار، ولا يقدر على شرائه إلا ميسورو الحال، لذلك تجب حماية الأحراج المليئة بأشجار السنديان من تجار الحطب، وهذا ما يحصل في وادي الحجير، الذي أنشئت فيه لجنة لادارة المحمية».