تأخر كثيراً في قبول دعوتها إلى الغداء. كان يقدّم لها عذراً مختلفاً في كلّ مرة، إلى أن أخبرته قصة المطعم الذي ستأخذه إليه. قالت له: هو مطعم صغير. أرتاده مذ كنت في الجامعة. تشعر كأنك في البيت، ملاءات طاولاته تذكرني بطفولتي. في اليوم التالي، كان هو المتصل ليتأكد من موعد الغداء. مرّ لاصطحابها في سيارته، حيث كان لموقف السيارة قصة أيضاً. روتها له.

عندما خرجا من المطعم، كان يضحك. لم ينتظرها لتسأل، بل قال سريعاً: ليتني لم آتِ معك، وبقيت أتخيّل ملاءات الطاولات. قصتك عن المطعم أفضل من المطعم وأطباقه المليئة بالمطيّبات.
عندما قرّر أن يدعوها هو، لم يخبرها شيئاً عن المطعم الذي اختاره. تولّت الصفحة الأخيرة من لائحة الطعام رواية قصة السيدة الجميلة التي اختارت أن تقدّم أطباقها للزبائن، بعد سنوات اكتشفت خلالها أسرار المطبخ الشرقي.
لم تنتظر حتى يخرجا من المطعم لتقول له: قصتي مع مطعمي أجمل من القصة المكتوبة لهذه السيدة، فهزّ رأسه موافقاً.
صارا يكتشفان المطاعم، التي بات وجود «القصة» شرطاً أساسياً في لوائح طعامها. هنا سيدة وأولادها يعرضون صورهم منذ الطفولة على اللائحة، وهناك فتاة تحبّ السفر والاكتشاف وعادت لنا بأطباق من العالم، وبينهما قصة عن سيدات خرجن يبحثن عن مكان للقمة طيبة...
قصص كثيرة قرآها، بعضها موقّع من كتاب، من دون أن يحفظا شيئاً منها. صارا يسألان روّاد المطاعم. هل تعرف قصّة هذا المطعم؟ فتأتي الإجابات واحدة: لا. لكنها مكتوبة على لائحة الطعام.
يتفقان على أنّ الاستعانة بالقصص أمرّ جيّد للترويج، لكنّه يجب أن يكون حقيقياً. أن يكون لزبائن المطعم قصتهم معه، لا أن يفرض عليهم قصة لا يصدقانها. يتأكدان من ذلك، عندما يختبران الأمر. إذ يسألها: أي مطعم سنعود إليه؟ تجيبه: المطعم الذي حمل فيه النادل فنجان قهوتك ليقرأ لك الطالع. أما هو، فيختار المطعم الذي يقدّم خدمة غسيل السيارة، توفيراً للوقت.