دمشق | «في ظروف غامضة»... تفقد «دارين» عائلتها الصغيرة في جريمة قتل، ما يضعها في مواجهة مع تاريخ هذه العائلة التي كانت تعتقد أنّها «مثالية». تحت هذا العنوان العريض، بدأ المخرج السوري المثنى صبح تصوير عمله الاجتماعي الجديد أواخر تشرين الأوّل (أكتوبر) الفائت، عن نص لفادي قوشقجي، ومن إنتاج «سما الفن»، تمهيداً لعرضه في رمضان 2015.
«المسلسل ليس بوليسياً». هذا ما يوضحه فادي قوشقجي لـ«الأخبار»، قائلاً: «يلاحق العمل لغز جريمة وقعت بالفعل، وهناك بحث عن أسبابها، لكن لا يمكن اعتباره بوليسياً. هو محاولة لمقاربة الأزمة السورية الحالية، عبر الإسقاط على ما تواجهه عائلة تعتقد أنّها مثالية، مثلما اعتقدنا أننا نشّكل استثناءً، وأثبتت الوقائع أنّنا لسنا كذلك». ويضيف: «العائلة تعيش في الزمن الذي نعيشه نحن، وتدور الأحداث في دمشق اليوم، وأفرادها يعيشون الوضع القائم، بكل تفاصيله، إضافة إلى أنّ بعض تقاطعاتها، ومساراتها مرتبطة أحياناً مباشرةً بالأزمة».
هكذا، اختار قوشقجي مقاربة الأحداث التي تشهدها سوريا منذ أربعة أعوام تقريباً، فـ« الأزمة حدث طارئ علينا، وما زلنا نعيش أحداثها. ولا أدّعي القدرة على توثيقها، ولا أظن أنّ أحداً قادر على ذلك. كما أنّ الإسقاط هو الخيار الأقرب للوصول إلى الناس».
العمل من كتابة
فادي قوشقجي وإخراج المثنى صبح

العائلة التي يتناولها فادي قوشقجي في «في ظروف غامضة» تدور في «فلك الطبقة الوسطى». ويوضح أنّ «هذه الطبقة تشبه أكثرية المشاهدين، وهي المنتج الأكبر للثقافة والأفكار بشكل عام، والمشاهد أقرب ما يكون إليها، ولمناقشاتها، وهمومها».
إذاً، هي «عائلة مثالية بتعليمها، وثقافتها، وبعلاقاتها بين أفرادها. هي ليست نموذجاً متكرّراً جداً في مجتمعاتنا، لكنها ليست غريبة عن واقعنا، وهي أحد تجليات تنوّعنا الاجتماعي»، وفق الكاتب. وهذا أوّل ما نلاحظه لدى زيارة موقع التصوير في ما يعرف بتوسعّات حي «الشام الجديدة». هنا، تبدو حياة الناس مثالية ظاهرياً، إذ يعيشون في عمارات فخمة بُنيت على أعالي تلال مطلةٍ على الحي، تعتبر امتداداً لجبل قاسيون.
كذلك، يبدو شكل الحياة في منزل دكتور «قيس» (سلّوم حداد) وزوجته «إلهام» (وفاء موصللي). منزل يحتضن «دارين» (نسرين طافش) بطلة العمل، بعد فقدانها عائلتها الصغيرة. تلجأ الصبية إلى بيت عمّها بين فترة وأخرى، في رحلة بحثها عن ملابسات الجريمة الصادمة التي هزّت أركان العائلة.
تبدو نسرين طافش سعيدة بالعودة إلى الوقوف أمام الكاميرا في دمشق بعد غياب حوالى عامين. «التصوير هنا له نكهة مختلفة»، تقول لـ«الأخبار»، نافيةً وجود هواجس انتابتها لدى اتخاذها قرار العودة إلى لشام: «أنا أتبع حدسي دائماً، ولا أخطط مسبقاً لما أقوم به. حينما عرض عليّ العمل، أحببته، وقرّرت تأدية الدور، ولم أفكر في أية مخاوف من أنّ التصوير يتم في سوريا». وتلفت بطلة مسلسل «حلاوة الروح» إلى أنّ عودتها لم تكن مستبعدة سابقاً، لكن انشغالها بعملين خارج البلاد حال دون ذلك.
توافق طافش على ما قاله قوشقجي حول رمزية عائلة «دارين» إلى «البلد ككل»، بل تذهب أبعد من ذلك بالقول إن ظروف العائلة «تشمل العديد من البلدان العربية».
وحول الجديد في شخصية البطلة، توضح أنّه «ربما تكمن الصعوبة في أداء شخصية حياتية جداً، يمكن مشاهدتها في أكثر من مكان، وبعفوية. بهذا المعنى أنا أختبر طريقة أداء، وأحاسيس، وعوالم داخلية جديدة، من خلال شعور «دارين» بالصدمة، وانقلاب حياتها رأساً على عقب بعد فقدانها لأهلها، لتواجه تاريخ عائلتها، وتبحث عن الأسباب التي أوصلتها إلى هنا». وتعرب طافش عن سعادتها بالوقوف أمام كاميرا المثنى صبح بعد «جلسات نسائية»، فهو «يجرّب دائماً تقديم جديد في أعماله، ويستعمل وصفة جديدة كل مرّة استناداً إلى معطيات النص، ليقدم بصمة خاصة».
يذكر أنّ «في ظروف غامضة» يضم على قائمة أبطاله أيضاً ميلاد يوسف، ونادين خوري، ومحمد خير الجرّاح، وجلال شمّوط، وسحر فوزي، وندين تحسين بيك، وعلا الباشا، ومديحة كنيفاتي، فضلاً عن غفران خضور، واسماعيل مدّاح، وبراء الزعيم، وآخرين.




كلام المثنى

كشف المخرج المثنى صبح لـ«الأخبار» أنّ مسلسل «في ظروف غامضة» كان يفترض أن يكون مدرجاً على خطّة شركة «سما الفن» للموسم الفائت، إلا أنّ العقبات التي واجهت تصوير «بواب الريح» (تأليف خلدون قتلان) حالت دون ذلك. أما عن عمله الجديد، فيقول إن «هناك أسلوباً جديداً أعمل عليه في هذا المسلسل، فالعمل له روحه، وطريقة طرحه، ومعطياته التي يفرضها. ثمّة تشويق وعوالم سيدخلها المشاهد في رحلة البحث عن ملابسات الجريمة». ويتابع: « لكنّنا لن نرى عنصر شرطة، فالعمل ليس بوليسياً، لكنّني أحاول تقديم تقاطعات بين الدراما والإبهار البصري، وهذا ما بدأت به «جلسات نسائية (تأليف أمل حنّا ــ 2011)، و«رفّة عين» (تأليف أمل عرفة، وسيناريو بلال الشحادات ــ 2012)، و«سكّر وسط» (تأليف مازن طه ــ 2013)، مع مراعاة الاختلافات التي فرضتها طبيعة كلٍ منها».
ويضيف صبح: «ثمّة حقيقة يجب أن أوضحها، وهي أنّني غيّرت أسلوبي كمخرج في «جلسات نسائية». لقد كان نقطة تحوّل حقيقية بالنسبة لي، ولم يصدّق أحد وقتها أنّه صُوّر في سوريا، حيث بدأت بجمع الإبهار البصري والدراما، لتصبح هذه طريقة الإخراج السمة الغالبة في الأعمال العربية المشتركة في السنوات الأخيرة».
وبرأي صاحب «الدوّامة»، يقدّم «في ظروف غامضة» المقاربة الفضلى للأزمة السورية من خلال الإسقاطات، «ليس تهرباً من تقديم أعمالٍ مباشرة عنها، لكن قد يكون من الأفضل تقديمها بعد سنوات طويلة، لأنّنا حالياً نعيش تحوّلات متسارعة لا تمكن الإحاطة بها بدّقة في عمل درامي».