هل فكرتم يوماً في الاستماع لتنفّس إحداهن؟ أو تنفسكن أنتن؟ هل سألك أحد ما ذات مرة كيف تتنفسين؟ هذا سؤال استثنائي، فكثيرون يسهون عن التفكير في عملية التنفس بما أنها من مسلّمات الحياة وبديهياتها. ومن «عاداتها» الانتباه للطريقة التي يتنفس بها الناس حولها خصوصاً إذا ما كان أحدهم يصدر صوتاً لافتاً. هكذا، وذات يوم، استقلت الباص كعادتها، فجلس إلى جانبها رجل أربعيني. استعانت بسماعتي أذنيها لتنفصل بالموسيقى عن المكان.

وهي سارحة في أفكارها أحسّت بساعد الرجل يرتطم بخصرها مرات عديدة، فأعادت ترتيب الجلوس وابتعدت أكثر (عسى أن تخرج من الشباك بعد بضع إنشات!) عن الرجل الذي إلى جانبها متأملة أن تصله الرسالة. أوقفت الموسيقى وصارت متنبهةً للجالس بقربها. راحت تسهو في أفكارها قليلاً ليعيدها إليه بارتطام كوعه الغليظ بخصرها. حسمت المسألة بعدما اعتقدت أن ما حدث كان صدفة ومن دون انتباه: الرجل متحرّش. تحرّكت أكثر نحو الشباك وصارت تسمع أنفاسه المتسارعة، أحسّت بنبضات قلبها نبضة نبضة تتسارع من الخوف. يقولون إن المتحرِّش يكون أجبن من ضحيته لكنه يعوّل على صمت الأخيرة. عندها قررت فقط أن تضع حداً للهلع الذي أصابها فاستأذنته طالبةً المرور لكي تجلس في المقعد الخلفي. نظر إليها ببراءة عاجزاً عن التقاط أنفاسه المتسارعة وقال إنه شارف على الوصول. أحرجها وعليها تحمّله ريثما يصل، ثم ابتعد منها ولم يعد يرتطم كوعه (صدفة!) بخصرها لكن أنفاسه تحفر في أذنيها. عليها احتمالها حتى يصل، ولا يمكنها إغراق نفسها في فكرة تعزلها عن محيطها، يتوجب عليها أن تبقى متيقظة لأي طارئ. فجأة، صرخ الرجل طالباً من السائق التوقف. نزل من الباص مثبتاً ناظريه عليها وسار مبتعداً. أخذَت نفساً عميقاً محاولةً التخفيف من توترها. لم تعد قادرة على التحليل أكثر ولا تريد الغوص بما كان يدور في رأس الرجل، تنفست بهدوء وتابعت حياتها بهدوء.