ما يلفت مباشرةً في فيلم «ميكانو» (2009، 112 د، الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي) أنّ أضلاع مثلثّه (المخرج ــ الكاتب ــ البطل) شباب يظهرون سينمائياً للمرّة الأولى. هو الروائي الطويل الأوّل للمخرج المصري محمود كامل، بعد أفلام قصيرة عدّة لفتت أنظار المنتجين إليه. الممثل السوري تيم حسن يدخل السينما المصرية، بعد تألّق تلفزيوني في «الملك فاروق» (2007 ــ إخراج حاتم علي وتأليف لميس جابر).
كذلك الأمر بالنسبة إلى السيناريست المصري وائل حمدي، بعد تجارب «سيت كوم» مثل «تامر وشوقية» (تأليف مجموعة من الكتاب، وإخراج أسامة العبد). خالد الشهّاوي (تيم حسن) مهندس معماري عبقري، مصابٌ بمرض نادر جعل ذاكرته مقتصرة على الأمد القصير. عقله أشبه بشريط كاسيت يُمحى عند امتلائه، ليُسجّل عليه مرّة تلو الأخرى. حالة مخففة عمّا شاهدناه في «ميمينتو» (2000) لكريستوفر نولان. إنّه شخص انعزالي، لا يميل إلى الظهور العلني، ولا يجيد التواصل الطبيعي مع محيطه. يعتمد على أخيه وليد (خالد الصاوي) في كل شيء. من الطبيعي أن يبدو بريئاً ومشوّشاً، لكنّه ليس ساذجاً، ولا تنقصه القدرة على جذب الآخرين وإثارة اهتمامهم. خالد متقبّل لحالته، بل يرى أنّ النسيان نعمة تساعد في تجاوز الإنكسارات. هذا يحيل على فلسفة يقترحها الشريط إلى درجة التبنّي. ذاكرة الإنسان الحقيقية هي ما يلتصق بروحه ويعلق في داخله، وليس ذاكرة الدماغ بالمعنى المجرّد.
وليد هو الأخ/ الأب الذي يشكّل الدعامة الثابتة والوحيدة في عالم خالد الخاص. لقد وهب نفسه لأخيه تماماً، ما يقوده إلى حياة مزدوجة بين السر والعلن. تبدّل شكلي ونفسي بسبب محاولته التعويض عن نمط حياة صعب فُرض عليه. هو «ميكانو» الحياة الذي يعيد البناء في كل مرّة يفقد خالد ذاكرته. تنقلب الحياة المنظّمة رأساً على عقب عند ظهور أميرة (الممثلة اللبنانية نور)، مديرة التسويق ذات الشخصية القوية. الفتاة المستقلة التي تحصل على ما أو من تريد، لا تمانع أخذ زمام المبادرة مع خالد، ودفع بعض الأثمان في علاقة على غرار التي رأيناها في كوميديا 50 First Dates (2004 – إخراج بيتر سيغال) بين آدم ساندلر ودرو باريمور، وإن كانت بشكل معكوس هنا. ثلاثي التمثيل يعمل بتناغم. تيم حسن يؤدّي بارتياح وانضباط. من الواضح أنّه حضّر جيداً لفيلمه الأوّل. خالد الصاوي متمكّن كالعادة. هذه المرحلة السابقة للبطولات المطلقة، حين حقق أدواراً لافتة مثل الصحافي المثلي حاتم في «عمارة يعقوبيان» (2006) لمروان حامد. المشاهد بين الممثلين جيّدة، وإن كان حضور الصاوي طاغياً أحياناً. نور تعود إلى الأدوار الرومانسيّة الهادئة التي تعرفها جيّداً. يؤخَذ على الشريط الإتيان بأحداث (رد فعل مدير الشركة بعد معرفته سر خالد، تعامل الطبيب الانهزامي مع طليق أميرة) وخطوط (صديقة أميرة وخطيبها) للوصول إلى الذرى الدرامية التي ينشدها. إخراجياً، ثمّة تفاوت بين مشاهد وأخرى، ما أدّى إلى هروب الإيقاع في بعض المفاصل. يمكن القول إنّ «ميكانو» محاولة معقولة في الدراما النفسية ذات الإطار الرومانسي لتقريبها من المشاهد، وهذه منطقة جديدة على السينما العربية بشكل عام.

* اليوم الخامسة مساءً على «روتانا سينما»، والإعادة غداً عند السابعة صباحاً.