«هاشلة بربارة مع بنات الحارة...» أغنية شعبية يرددها الصغار والشباب ليل الثالث من شهر كانون الأول/ ديسمبر ضمن الاحتفالات التي يقومون بها لإحياء عيد القديسة بربارة، التي تروي المراجع أن قصتها وقعت في مدينة بعلبك قبل 1700 سنة. في هذه المناسبة، يرتدي المحتفلون أزياء تنكريّة ويطوفون على الأحياء وبيوت الجيران والأقارب والأصدقاء لمعايدتهم، مردّدين أناشيد خاصة بالمناسبة.
من هذه الأناشيد «حارج حارج بربارة عامودين ومنشارة، حلّ الكيس وعطينا لولا الشيخ ما جينا». لكن ماذا تعني هذه الأنشودة؟ تقول أم بشارة، السيدة التسعينية، إنها لا تعرف ما المقصود بهذه الأنشودة بالذات «لقد ورثناها وغيرها من أغاني البربارة عن أجدادنا ونحن بدورنا علمناها لأولادنا وأحفادنا». لكنها تحاول أن تحزر «كلمة حارج تسمية قروية تعني قناع الوجه، وبحسب علميلا يردّد كلّ المحتفلين بالمناسبة هذا النشيد. يكاد الأمر يقتصر على أبناء الأحياء والبلدات المختلطة بين مسلمين ومسيحيين الذين كانوا يتشاركون في الاحتفال بهذه المناسبة ولا تزال قريتنا تحافظ على هذه التقاليد حتى يومنا هذا».
ولا تبخل أم بشارة بشرح معاني الطواف على المنازل «قديماً كان الأولاد يتنافسون ليلة البربارة على جمع كميات قليلة من القمح والبرغل والعدس والبيض والحلوى والأموال، وكانت كل أسرة تقدم ما لديها بحسب وضعها المادي، أما رمزيّة هذه العادة فتعود الى اتباع تعاليم السيد المسيح (أعطنا خبزنا كفاف يومنا...)». ومن الردّات الطريفة التي كان يطلقها الشبّان عند خروجهم من المنازل «أركيلة فوق أركيلة صاحبة البيت زنكيلة»، أي كريمة. هذا اذا كانت «الغلّة حرزانة»، وفي حال العكس يرددون «عديلة فوق عديلة صاحبة البيت بخيلة». ويكون نصيب من تكثر من طرح الأسئلة «نارة فوق نارة صاحبة البيت ثرثارة». الى ذلك، تضيف أم بشارة بأنه «جرت العادة بأن يحاول أصحاب المنازل نزع الأقنعة عن وجوه المتنكرين للتعرّف إليهم، وكان بعض هؤلاء ينجحون بالحفاظ على زيهم، فيما يبادر آخرون للكشف عن وجوههم من تلقاء أنفسهم».
من جهتها، تعدّد ماري معلوف بعضاً من المأكولات التي تحضّرها ربات المنازل للاحتفال بليلة البربارة ومن أشهرها القمح المسلوق مع إضافة منكهات عليها مثل اليانسون والقرفة والسكر الخفيف وحبات الجوز. توضح: «يرمز القمح المسلوق إلى الابتهاج والفرح بانتصار هذه القديسة، إذ تروي الحكايات أنها استطاعت الهرب من والدها الطاغيّة وركضت بين حقول القمح التي نمت سريعاً بأعجوبة لتحجبها عن عيون جنوده الذين كانوا يلاحقونها للقبض عليها».
للساهرين ليلة البربارة حصتهم من الحلوى أيضاً،
يبرز حرص لدى
الأهالي على إحياء المناسبة وسرد قصة القديسة


تذكر أم طوني بعضها، مثل الزلابية والعوامة (عجين محلّى يقلى بالزيت)، القطايف المحشوّة بالقشطة أو الجوز تغمّس بالقطر، «لهذه الحلوى دلالة دينية قديمة، فهي تشير الى جسد القديسة بربارة الذي تناثر أشلاء بين الدماء كما تفعل القطايف عند رميها بالنار». تتحسّر معلوف على اندثار عادات البربارة القديمة «للأسف فقد هذا العيد وهجه ومعانيه الحقيقية بعدما تحوّل الى مناسبة عابرة يحتفل كل منا بها على طريقته، إن لناحيّة تبديد الأموال بهدف التباهي على بعضنا بالأزياء والأقنعة المستوردة الغالية الثمن، أو لجهة التنكر بوجوه مخيفة ترعب الأطفال والكبار معاً، بدلاً من اعتماد أقنعة جميلة تمثّل الحيوانات الأليفة، والتي تدخل الفرح والسرور الى قلوب الجميع».
مع اقتراب موعد ليلة البربارة، ينتشر على واجهات محال الهدايا والألعاب مختلف أنواع الأقنعة والألبسة المخصصة لهذه المناسبة. أمام أحد هذه المحال، في سوق زحلة التجارية، وقفت الطفلة سارة (6 سنوات) لتختار «ماسك» كما أسمّته (قناعاً)، وسط غابة من الأقنعة التنكريّة بمختلف أشكالها المرعبة والرقيقة. بسؤالها عن مرادها تجيب «أريد ماسك يشبه رأس الفارة، وثياب لها أجنحة كالفراشة». بخلاف شقيقته يقف جاد (10 سنوات)، حائراً بين اختيار وجه يشبه أبطال أفلام النينجا، وبين آخر يجسّد شخصية سوبرمان. وبين هذا وذاك، أقنعته أمه باختيار الثاني، حرصاً منها على إظهار براءة الطفولة و«الحفاظ على رموز ومعاني هذه المناسبة الدينيّة واحتراما لذكرى القديسة بربارة» تقول الوالدة.
لا تخلو سهرات البربارة من مواقف مضحكة تحصل بين الأهل والأصدقاء، فصول إحداها يرويها فؤاد (الذي طلب عدم ذكر كنيته): «منذ 4 سنوات وأثناء وجودي وزوجتي في المنزل ليلة البربارة، طرق الباب شخصان، أحدهما متنكر بزي امرأة، وآخر يجسّد لباسه شخصيّة تشارلي شابلن. وفور دخولهما، اقترب الأخير من زوجتي وعانقها محاولاً تقبيلها، أمام هذا المشهد ثرت غضباً وهجمت عليه ونزعت القناع عن وجهه عنوةً فتبين أنها شقيقة زوجتي وبرفقتها عديلي». مقابل الأحداث الطريفة، يلجأ البعض الى ارتداء أزياء تنكريّة مرعبة للقيام بأعمال غير أخلاقية ومخلة بالأمن لا تمت الى قيم ومعاني هذه المناسبة بصلة.