حال السينما في طرابلس كحال كثير من القطاعات التي تعاني التدهور. وحدها اللافتات الصدئة وإعلانات بعض الأفلام القديمة لعادل إمام وجاكي شان، التي ما زالت معلقة على الجدران، تلفتك الى أنك أمام «أطلال» سينما كانت تزدهر في يوم من الأيام في هذه الزاوية أو تلك.أمام مدخل القاعة التي يستثمرها، يجلس محمد الكردي. هو لا ينتظر زبائن هجروا السينما منذ سنوات، لكنه يحافظ على حقه في استغلال القاعات التي ما زال يدفع إيجارها قانوناً أملاً بتعويض مستقبلي، وكذلك ليروِّح قليلاً عن نفسه مع الأصحاب.

فالسينما لم تعد مشروعاً مربحاً، وخصوصاً أنه يدفع إيجارات المستخدمين وكذلك فواتير الكهرباء والماء، ولكن بلا مردود»، مشيراً إلى أن البلدية توقفت منذ فترة عن تقاضي الرسوم منه «لأنهم علموا أن شغله متوقف».
ويؤكد صاحب سينما «الأمبير» العريقة، ابنة الخامسة والسبعين من العمر، أن السينما التي يستثمرها منذ حوالى الأربعين سنة «كانت تعرض الأفلام حتى في عز دين الحرب اللبنانية وكان الناس يبقون حتى منتصف الليل، ولكنها بدأت بالتدهور خلال العقدين الأخيرين، حيث بدأت تغيب الصفوف الطويلة التي كانت كثرتها تقطع الطريق». ويذكر أن «آخر فيلم اشتُريت حقوقه وعرضه كان هاللو أمريكا لـعادل امام» ومنذ تلك الفترة بدأ يشعر بالتحوّل مقارنة بالأوقات التي كانت تمثل أيام العزّ للسينما مثلما حصل خلال عرض فيلم «بخيت وعديلة»، الذي استمر على الشاشات أحد عشر أسبوعاً، أو «خلي بالك من زوزو»، الذي مثّل حدثاً وتسابق الناس لمشاهدته «كانت الصفوف طويلة جداً، والعروض كانت صباحية ونهارية ومسائية، وعلى عدة قاعات تعمل في الوقت نفسه».
كان في طرابلس 22 سينما أقفلت جميعها أو تكاد. ويكشف الكردي أن بعض دور السينما راحت تعرض أفلاما «غير أخلاقية» من أجل الاستمرارية. ورداً على سؤال عن أسباب تدهور السينما في طرابلس يجيب الكردي «كانت السينما المصدر الأساسي للتسلية وللفرح، وكان التيكت بربع ليرة يتابعون بها الشيء الجديد ولكن شكل ظهور التلفزيون مقتلاً للسينما في كل المناطق، إذ بات لديك جهاز يقدم إليك عشرات القنوات التي تسمح لك بمتابعة الفيلم الذي تحب، والأمر نفسه ينطبق على الانترنت، الذي فيه مواقع كثيرة تقدم العروض في الوقت الذي يختاره
المشاهد».
وفي ظل هذا التراجع للسينما عمد كثير من أصحاب الصالات إلى إقفالها أو تحويلها الى نشاطات أخرى كـ«تحويل احدى السينمات الى موقف لفانات طرابلس – بيروت»، فيما بدأ بعض أصحاب قاعات أخرى بتكييف نشاطاتهم مع الواقع الجديد، وتطويرها لتأمين مداخيل إضافية. فصاحب سينما «الريفولي» بدأ يبيع الأقراص المدمجة والـ«دي في دي» لتعويض بعض الخسائر. ويقول أحد العاملين هناك إن السينما لم يعد فيها مداخيل كافية، لذلك لا بد من توسيع الأعمال. ويذكر أن آخر العروض كانت لأحد الأفلام خلال أيام عيد الأضحى «ولم تتجاوز بعض العروض العشرين بعدما كان بالمئات سابقاً».
ويمكن التماس تراجع الحماسة للسينما بالحديث الى بعض الشباب. هذا بهجت عايش زمن السينما الجميل، عندما كان يجتمع مع رفاقه أسبوعياً للذهاب لمتابعة العروض السينمائية، لكنه، وفي السنوات الأخيرة بات يمارس نشاطات أخرى، ويضيف إن قنوات الكايبل باتت تعرض في أكثر الأحيان آخر اصدارات الأفلام بعد عرضها في الولايات المتحدة بوقت قصير، حتى إن بعضها قد يعرض قبل أن يصل الى لبنان.
أما ناديا، فقد كانت جارة لإحدى دور السينما في المدينة. تذكر أن غرفتها كانت تطل على قاعة العرض حيث كانت تصعد على ظهر الخزانة عندما كانت شابة لتصل الى النافذة الصغيرة الموجودة في أعلى الحائط وتتابع الأفلام الرومنسية.
فيما يتحدث شاب آخر عن أنه بات لا يذهب الى السينما الا اذا كان هناك فيلم تتطلب مشاهدته تقنيات عالية، كما أنه يشتري في كثير من الأحيان آخر إصدارات الأفلام من سوق الأحد أو سوق صبرا بـ«ألف ليرة» و«حتى قبل أن تعرض في بيروت».
المعاناة التي تعيشها دور السينما المنفردة، وعدم قدرتها على منافسة تلك التي تملكها الشركات والسلاسل الكبرى، أمران باتا يتكرران في جميع المجالات حتى الفنية والثقافية منها، إذ لم تعد مبادرة الفرد قادرة على منافسة أصحاب النفوذ والشركات المتعددة الجنسيات التي تتمدد الى جميع المجالات.